
حسين الذكر
مطر مطر ثم مطر .. على رؤسنا ينزل كالحجر
غرق ينتابنا من وقعه قدر
مع ان اجمل الالعاب العبثية كانت تؤدى بالطفولة والصبى اثناء المطر حينما يمخر بيوتنا ويغرق ساحات العابنا ويعطي اغلب الفقراء عطلة تلقائية اذ لا بيع ولا شراء في المطر ..
كنا نسمع ايام التجهيل والطفولة والمراجيح ان في المطر عيدا للفلاحين .. فاتضح انه عيد الاقطاعيين الذين يمتلكون كل شيء حتى موعد الاذان وطريقة الصلاة وتوقيت العيد .. فيما يكابد المتقطعين عن سبل الحياة لا يملكون الا العشق لمحبوبتهم الارض بمعزل عن قحط توزيع الغلات وخشونة ترويض الذات في ظل ضمير قد مات بكل زمكان يسمى ( اقطاع ) .
هكذا قسموا مدينتي الى ( اقطاعيات ) اقتطعوها بينهم كل له الف هكتار ومعه الف ( فلاح ) والاف رؤوس الاغنام واكوام الطين التي ابت ان تفارق اهلها . الفارق في (اليفاطات) .. اذ كنا لا نرى على الواجهات شيء سوى شارات حفظناها عن ظهر غيب جعلتنا نعي الادوار ومتى نقلب الارض ونحفر الابار .. كما ندفن موتانا بصمت وخضوع لكامل القرار .. فتلك مهام الثوار اما نحن فقد قبلنا ان نلوك التمرات اليابسات وان نشفط الاف الاطنان من الافيون ونركض نحن ونسائنا واولادنا وبناتنا خلف ترهات من الضحك ( المذوقن ) الذي يعد التجمع الوحيد الذي لا يطالبنا بهوية وصنف دم او دين ومذهب وكم وكم .
ومازا المطر ينهمر وينهمر .. حتى اغلقت المحال ومرض الاطفال واصابتهم حمى يسمونها فايروس اتضح انه معد بافضل مختبرات الاقطاع مهمته اعادة توزيع الثروة وتقنين الثورة ومنح الاوسمة والنياشين عند انتهاء موسم الحصاد الذي حتما سيبقى ابد الدهر بعيدا عن ذاكرتنا الراسخة في المطبخ وعلى صعيد البطيخ والشريب والتشريب ... وان شطحت الاماني فعصارة تمر تسمى ( دبس ) مع قليل من البصل والملح تغدوا افيون او ترياق لا يقاوم عند الجوع .
هكذا تقول الحكاية ككل الحكايات ..
بذات الطريق بنوا الاهرامات وسور الصين والملوية وحتما الزقورة وكل العجائب والمآذن والكنائس والحمامات .
على ذات الشاكلة ومن ذات المواد التي حملتها ذات الاذرع ومنذ الاف السنين تسير بنفس نهج الطريق ومنهجية التغريق .. لا يمكن الافلات ولا يجوز السير عكس اتجاه الموج فالمشانق بكل مكان .. بعد ان عمت الزمان وعلت فوق الامكان .. حتى غدى المطر يلامس الاكفان وينبش في الفكر حتى يطمئن الاخر عما نعاني من مستوى الافلاس .
ويبقى المطر يهطل دون أذن منا ولم يشاورنا احد في رذاذه وكثبانه وصقعيه .. ليس مهم ذاك ... رؤسنا ما زالت من حجر لا تفرق بين النوازل ومستعدة لمزيد التضحيات ... فتحت ظلال السيوف تستظل رقاب المجهلين وترقص جحافلهم على وقع هدير المطر وصهيل الخيل وتراتيل الفجر ..
على طول بعد الطريق وتصحر الارض وتحجر السياسم وشهق القمم .. ما زلنا نجمع حبات المطر نصنع منها قلادة وهم نزق بها اطفالنا عند المرض ونقذفهم باطنان الدمع عند الموت .. وعلى قارعة كل طريق نرثى الاقتطاع ونقتطع مما لدينا من اثر ونبني له حجر على حجر كي تعبده الاجيال وترتعد من فرائص ذكره الاطفال ويرتسم في رحم امهاتنا اسطورة من طرزان وهرقل وعلامات الجان .
لم تكن تلك حكاية سرد حلم لراس مجنون او فكرة منخورة من تباشير الضوء حتى انفراجات آمال الاذان التي نعدها بلسما برغم كل الجراحات وغضاضات العتات المتربعين على حجر فوق حجر ينحتون لنا تمثالا من لحم يتحرك كما يريدون فضميره قد مات منذ اول فكرة عن اقتسام المغانم .. وصورة مثلى لقيادة الاغنام .. هكذا استرسل الوعي يكتب يومياته لا يدري يوثق المطر او يرتق فتقا يلوح من دهاليزه الخطر .. مع كل قطرة حبر يستذكر فيها وجع المطر وربما يجدد العهد لاصحاب الارض بانه لن ينكث وعد الحرف ولن يسدد صوب الجبال اي حجر .
نعم تقف الطوابير على مختلف اجناسها والوانها تتحد من اجل زوال الخطر وتتشابك الاذرع ليس للاحتضان فان وقت الليل لم يزف بعد .. لكن الاوامر صدرت بضرورة نزح الماء بكل صورة حتى وان اضطررتم لشربه على الريق او ما بعد الحريق .. فان سلطان الغفر يريد ان يغرف قبلة من شفاه النساء الجميلات على وقع الحان المطر .. فقد قالوا له في ابخرة المعابد وعلى رقع الصحف وجليد النخيل ان الملك كتب لك المجد ويحق لك ما يحق لغيرك ..
بكل تفاسير الكتابة المسمارية او الصورية تعترف بان ما قصدته الحروف هو لجام كل صوت يرتجف او هم يهف .. ممنوع على الاهالي انتزاع اي اعتراف من اسلافهم وعليهم تعبيد الطريق بذات الحروف التي وروثها سالف من سافل .. كي تتجسد نبؤة ابلوا في تتيوج المطر وسيادته على امتداد الجزر والشطآن وما حوت بطون الصحراء وما ارتفع فوق الحجر او دون كدمع مجهول او نشيج لحن المطر!