​غراهام آرنولد والدكتور سعد جميل… حين يجتمع العلم بالخبرة والإنسانية في ميدان التدريب


 نعمت عباس

أصبح التدريب الرياضي اليوم علماً قائماً على الدراسة والتحليل والتجارب الميدانية، ولم يعد مجرد موهبة فردية أو اجتهادات شخصية. فالمدرب العامّ تخصص، ومدرب اللياقة تخصص آخر، وتدريب حراس المرمى عالم مستقل بذاته، يتطلب خبرة دقيقة ومعرفة عميقة بواحد من أهم المراكز في كرة القدم الحديثة. ولعلّ ما يميز الدول المتقدمة كاليابان وغيرها هو اعتمادها ثلاثة مدربين مختصين لحراس المرمى في المنتخب الواحد، وهو نهج علمي تبنّته الأندية الكبرى أيضاً.

 

وفي الوقت الذي تستعد فيه منتخباتنا للاستحقاقات الكبرى، وفي مقدمتها التصفيات المؤهلة لكأس العالم، ما زلنا نعتمد على مدرب حراس واحد يسانده فهد وأحمد في التدريبات المركبة. هذا الواقع يفرض ضغطاً ذهنياً وبدنياً كبيراً، ليس على الجهاز الفني فحسب، بل حتى على الحراس أنفسهم، في وقت يتطلب فيه هذا المركز عناية خاصة وتخصيصاً أكبر.

 

ومن هنا نعود إلى الحديث عن واحد من أبرز الأسماء التي تركت بصمتها في الكرة العراقية: الدكتور سعد جميل، مدرب اللياقة البدنية للمنتخبات الوطنية سابقاً، والذي أشرف في سنوات مضت على تدريب رئيس اتحاد الكرة الحالي عدنان درجال خلال تصفيات كأس العالم 1990.

وقد روى لي نجم المنتخب العراقي السابق الكابتن نعيم صدام، خلال إحدى زياراته للإمارات، أنه طلب رقم هاتف الدكتور سعد جميل، مدربه في نهائيات كأس العالم للشباب تحت قيادة الراحل أنور جسام، ومعه الكابتن حازم جسام والكابتن عادل يوسف. رغبة نعيم في التواصل لم تكن عابرة؛ بل كانت تعبيراً صادقاً عن الامتنان لشخص قدم الكثير للياقة لاعبي منتخب الشباب، وساهم في رفع جاهزيتهم حتى تمكنوا من الفوز على إسبانيا والأرجنتين في تلك البطولة التاريخية.

 

ولعلّ ما ذكرنا بهذه القامة التدريبية هو المشهد الذي صنعه غراهام آرنولد مدرب أستراليا في المباراة الأخيرة أمام الإمارات، حين أدار ظهره عند تنفيذ اللاعب العمّاري ركلة الجزاء، تعبيراً عن التوتر والحرص والمسؤولية. هذا التصرف أعاد إلى الأذهان صورة الدكتور سعد جميل، الذي كان يفعل الشيء ذاته خلال تدريبه للأندية العراقية؛ وهو سلوك يكشف جانباً إنسانياً عميقاً لدى المدرب، إذ يعيش اللحظة بكامل وجدانه، ويتحمل مسؤوليتها بكل تفاصيلها.

 

إن العراق اليوم يحتاج إلى مثل هذه الرموز العلمية والخبرات الأصيلة، التي تجمع بين العلم والانضباط والشغف، وتسهم في بناء أجيال قادرة على المنافسة ورفع اسم الوطن عالياً.

 

فالكوادر التي صنعت أمجاد الأمس قادرة على أن تمنحنا مستقبلًا أكثر إشراقاً

إذا ما أُتيحت لها الفرصة

 


إرسال تعليق

أحدث أقدم