
حسين الذكر
قبل خمسين عام لم اعرف الدوافع الحقيقية التي جعلتني اترك لعب الكرة مع ابناء حارتي الشعبية دالفا غرفة صغيرة اقلب عدد من كتبها التي اخترت منها (مجلتي والمزمار) الاشهر في العراق انذاك وقد كنت بالصف الثاني ابتدائي حينها ..
من الاسس الثابتة التي فهمتها عند بواكير الوعي ان القراءة هي السبيل الوحيد للمعرفة فضلا عن التعبير الادبي . لذا كنت مولعا بها منذ الطفولة وما زالت لا اجد لذة تفوقها روحا وعقلا وحتى جسدا .
قبل سنوات كنت في معرض الكتاب لاحدى الدول مع عدد من الادباء العرب بجلسة استثنائية مع انها خصصت للتعارف الا ان الزملاء تناقشوا حد التناطح حول الرواية وشروطها ومن يحق له الكتابة والنقاش والخوض فيها ... وغير ذلك الكثير مما شحن الاجواء التي تلبدت حد التانبز والتشهير والاتهام بالتجهيل والامية والتبعية لبعضهم البعض .. وقد فضلت الصمت حتى طلب مني ابداء الراي فقلت متهكما : ( اذا كنتم كلكم تولستوي زمانكم فلا راي لغيركم ) .
يقول عالم الاثريات واللغة غريغور شولر مؤلف كتاب ( الكتابة والشفوية في الاسلام ) . ان القرآن هو الكتاب الادبي الاول عربيا وان الكتابة العربية قبل الاسلام وفي نصفه الاول لم تكن لاغراض التاليف بل هي مدونات شخصية لغرض الحفظ والمساعدة على الالقاء .. ذلك اللالقاء يسمى (رواية) الذي يختص به البعض ممن يمتلك مقومات معينة تتيح لهم قدرة قراءة قصائد الشعراء ويسمون رواتهم .. بعد الاسلام توسع مفهوم المصطلح ليشمل كل من يروي احاديث النبي والائمة والصحابة وغيرهم .
في التعريف : ( الرواية هي نوع أدبي نثري يتميز بسرد قصصي طويل ومعقد يهدف إلى تقديم تجربة إنسانية شاملة ) وهناك محددات او اركان لها :-
1- موضوع الرواية: (هي الفكرة التي ستتحدّث عنها هذه الرواية وتجسّدها) .
2- الحبكة: (هي عملية شد سير أحداث الرواية تصاعدياً باتجاه الحل).
3- الشخصيات: ( هي محرّك أحداث الرواية باتّجاه الأمام ومحورها) .
4- الحوار: (هو الصوت المسموع لأفكار الشخصيات وطريقة تواصلها ) .
5- السرد: هي المادة المدونة على لسان الراوي .
من اشكاليات الامة العربية الحديثة والمعاصرة انا نعاني التبعية ولا نمتلك قدرة الخلق لذا فاننا نلتزم بالقواعد المستوردة دون اي تغيير يستلزم وفقا للبيئة الجديدة وخصوصيتها .. مما جعلنا نقتدي حد القدسية بما ينتجه الغرب بل ونستهجن اي تغيير يقدم عليه التمرد العربي .. كأن الادب الغربي وضع قواعد مقدسة لا يجوز الخروج عليها ولا نمتلك قدرة الاتيان بمثلها مما احدث شرخا نفسيا جعلنا نشعر بالاحباط وربما التفكير الادنى حتى ان البعض ممن شرنق نفسه وأطَّر فكره بالقواعد المستوردة شكلوا حجر عثرة في طريق الابداع العربي على مختلف المستويات وليس الادب وحده .
الاديب الروسي تولستوي يعد من عباقرة الادب العالمي وجد نفسه قد ورث مزرعة بها اكثر من 350 اسرة فلاحية كلها بخدمته .. برغم كل ما قدمه وابدعه من نتاجات الفكر والادب العالمي رفض العيش في مزارعه بل تمرد على الواقع قائلا : ( ان لم يحال الادب الى ملكة سلوك اخلاقي فلا فائدة منه .. او بالاحرى يخرج من جناس الادب ) . هنا تكمن علية اخلاقية اجتماعية ثقافية ... ينبغي ان يعيها العرب متجاوزين فذلكت لوك اللسان والتشدد بالشدة والضمة والفاتح والمفتوح وعقدت الشعور بالنقص قبل الاعلان عن تملك واحتكار مقومات الادب .