صعود الصين وسقوط الوهم الأمريكي*

إحسان الموسوي

مركز أبابيل الدولي للدراسات الاستراتيجية

الصين لا تتقدم بعشوائية بل تتحرك وفق استراتيجية طويلة المدى تستهدف قلب النظام العالمي القديم دون ضجيج أو استعراض عسكري بل عبر أدوات اقتصادية وتكنولوجية تفرض واقعها الجديد على الجميع منذ أكثر من ثلاثين عاما والصين تبني قوتها بصبر وتخطيط بعيد عن الأضواء تركز على البنية التحتية وتوسيع النفوذ عبر مشروع الحزام والطريق الذي حول آسيا وافريقيا وأجزاء من أوروبا إلى ساحات نفوذ اقتصادي واستراتيجي الصين لا تقلد النموذج الأمريكي بل تصنع نموذجا خاصا يجمع بين الانضباط السياسي والانفتاح الاقتصادي وبين الرقابة الداخلية والتمدد الخارجي بشكل متوازن وفعال

في المقابل الولايات المتحدة تعاني من تآكل داخلي وانقسامات سياسية حادة وتراجع في الثقة العالمية بينما الصين تواصل بناء تحالفات جديدة وتوقيع اتفاقيات استراتيجية وتوسيع وجودها في المنظمات الدولية

الهيمنة الصينية لا تعتمد على القواعد العسكرية بل على الموانئ والمصانع والشبكات الرقمية وعلى السيطرة على سلاسل الإمداد العالمية وعلى امتلاك القرار في أسواق المعادن النادرة والتكنولوجيا المتقدمة

الصين اليوم ليست مجرد منافس بل مشروع بديل لنظام عالمي يتهاوى تحت وطأة الأزمات المتكررة مشروع لا يعتمد على القوة الصلبة بل على النفوذ الذكي والتأثير العميق في مفاصل الاقتصاد والسياسة الدولية

السؤال لم يعد هل ستتفوق الصين بل متى وكيف وأي عالم سيولد بعد أن يصبح التنين هو من يحدد قواعد اللعبة

المرحلة القادمة ليست صراعا بين قوتين بل إعادة تشكيل للعالم من جديد والعين على بكين التي لم تعد مجرد عاصمة بل مركز ثقل عالمي يتسع يوما بعد يوم

أما أولئك الذين يربطون مصيرهم بأمريكا ويعتصمون بحبلها فإنهم يسيرون نحو مصير مظلم كما حدث مع كل من راهن عليها عبر التاريخ أمريكا لا تحمي أحدا بل تستخدم ثم تتخلى وعملاؤها دائما ما يواجهون نهايات مأساوية بعد أن تنسحب وتتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم

من فيتنام إلى أفغانستان ومن العراق إلى أوكرانيا التاريخ لا يرحم من يراهن على واشنطن فكل من ارتبط بها انتهى إما في المنفى أو خلف القضبان أو في العزلة السياسية

الصين لا تطرق الأبواب بل تعيد رسم الخرائط والحدود والمفاهيم والذين لا يدركون ذلك اليوم سيجدون أنفسهم خارج المعادلة غدا والعالم الجديد لن ينتظر أحدا ولا يعترف بمن تأخر أو تردد أو راهن على قوة تتآكل من الداخل

الرهان على الصين ليس خيارا بل ضرورة والرهان على أمريكا ليس تحالفا بل انتحار سياسي واستراتيجي .

إرسال تعليق

أحدث أقدم