نعمت عباس
في زمن تتسارع فيه الأحداث الرياضية وتُختبر فيه القيم قبل النتائج، يبرزاسمان مغربيان ليشكّلا صورة ناصعة لجوهر كرة القدم الحقيقي: ياسين بونووطارق السكتيوي، إبداعٌ داخل الملعب، وأخلاقٌ خارجه.
يُعد الحارس المغربي العملاق ياسين بونو، حارس نادي الهلال السعوديومنتخب المغرب، أحد أبرز أساطير حراسة المرمى العربية والعالمية. وقد خلّدالتاريخ إحدى تصدياته الخرافية التي أبهرت الجماهير وخبراء اللعبة، إلىدرجة أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وثّق تلك اللحظة في صورة فنيةإبداعية خُصصت لتُعرض في متحف الفيفا، في إنجاز عربي نادر سيبقىخالدًا في ذاكرة كرة القدم.
حيث تُوّج المنتخب المغربي ببطولة كأس العرب عن جدارة، فيما حلّ المنتخبالأردني في المركز الثاني، وتقاسم المنتخبان الإماراتي والسعودي المركز الثالثبعد تأجيل مباراة تحديد المركز بسبب الظروف الجوية.
غير أن البطولة لم تُختَتم بلحظات فنية فقط، بل شهدت موقفًا إنسانيًا وأخلاقيًالا يقل أهمية عن الأهداف والتصديات. فخلال مراسم التتويج، وعند تقدّم لاعبيالمنتخب الأردني لاستلام الميداليات الفضية، بادر مدرب المنتخب المغربيالكابتن طارق السكتيوي بالسلام على أول لاعبين من المنتخب الأردني، إلا أنالتحية لم تُقابل بالرد.
هذا التصرف الفردي، الذي قوبل باستهجان واسع، لا يُمثّل المنتخب الأردني ولايعكس أخلاق النشامى المعروفة، حيث أكدت الجهات المعنية وجماهير الكرةالأردنية رفضها التام لهذا السلوك، لما يحمله من ابتعاد واضح عن الروحالرياضية والقيم الأخلاقية التي تقوم عليها اللعبة.
لقد جسّدت مبادرة السكتيوي المعنى الحقيقي لكرة القدم، تلك اللعبة التينشأت على مبادئ واضحة، في مقدمتها الاحترام، والسلام، والمساواة،والعدالة، إلى جانب المتعة والإثارة. وهي المبادئ ذاتها التي يدعو إليها الاتحادالدولي لكرة القدم باستمرار، حتى على مستوى المصطلحات، حيث أصبحيُطلق على الطرف الآخر “الفريق المنافس” بدل “الخصم”، تأكيدًا على أنالتنافس لا يعني العداء.
إن تحية طارق السكتيوي التي لم تُقابل برد، لا تقل قيمةً ورمزيةً عن تصديياسين بونو التاريخي؛ فكلا المشهدين عبّرا عن جوهر كرة القدم:
إبداعٌ في الأداء، وأصالةٌ في السلوك.
تصدي بونو أبهر العالم داخل المستطيل الأخضر، وتحية السكتيوي رفعتمنسوب القيم خارجه.
مشهدان يستحقان أن يُسجَّلا في ذاكرة كرة القدم بماء الذهب، لأنهما أكدا أنكرة القدم ليست مجرد نتائج، بل رسالة أخلاقية وإنسانية قبل كل شيء