تأثيرات الضغوط الداخلية والخارجية على الإنتخابات العراقية القادمة..!!

غيث العبيدي

على مايبدوا إن العراق مقبل على مرحلة ضبابية وذات خطورة عالية، ويمكن أن تكون ”المقياس الحقيقي لظواهر سياسية مختلفة، قد تزيد من خطورة المرحلة، أو تحدها وتقلل منها“ لكون أغلب تفاصيلها مشوشة وغير واضحة لحد هذه اللحظة، بالرغم من كون الواضح منها هي؛ التدخلات الخارجية، وخاصة الأمريكية والخليجية والتركية، والمشاكل الداخلية المتمثلة بتراكم الفساد، وتدهور الخدمات، والأحتقان المجتمعي الكامن والظاهر داخل المجتمع العراقي، ومن المؤكد أنها ستضع البلاد أمام خيارات؛ موازنة الضغوطات الخارجية المستمرة، وإستراتيجية تحقيق المصالح الوطنية، في بيئة دولية وإقليمية متنافسة جغرافياً وسياسياً وأمنيآ واقتصادياً.

و بناءً على ما تقدم أعلاه، النقطة الجوهرية لهذه الورقة البحثية هي؛ تحديد الضغوطات الداخلية والخارجية المؤثرة على الواقع السياسي ما بعد الإنتخابات البرلمانية القادمة، وتعزيز القدرات العراقية على تحقيق الاستقرار السياسي والامني في البلاد، وأثبات مسألة أستقلالية القرار الحكومي من التدخلات الخارجية.

▪️ الواقع السياسي والضغوط الخارجية.

كما هو معروف، النظام السياسي في العراق ما بعد 2003، قائم على المحاصصة الطائفية، ويسعى لتلبية مطالب داخلية ”حزبية ومكوناتية“ بأستحقاق ومادون ذلك، حتى وإن كانوا ممن يحبون الجدالات، ويعشقون الخلافات، ويتغذون على النزاعات، وضعفاء في التصرف وأتخاذ القرارات، ولم نشهد طيلة الفترة الماضية، محاولات حقيقية من القيادات السياسية في بغداد، لتجنب هذا الخطأ الفادح، وفي ظل هكذا نظام، تتجه الأنظار إلى الأدوار التي ستلعبها الأطراف العالمية والإقليمية، لرسم خارطة التحالفات السياسية بعد الانتخابات المقبلة، المقرر إجرائها في الحادي عشر من تشرين الثاني للعام الجاري، لأن تشكيل الحكومة المقبلة مرهون إلى حد كبير بتوازنات معقدة، بين المكونات الثلاث الرئيسية، الشيعية والسنية والكردية، فأي خلاف بينهم يؤدي إلى تعطيل تشكيل الحكومة، وبالتالي تعطيل التشريعات، والسياسات والحسابات، الكافية بتشكيل فراغ سياسي لا يمكن السيطرة عليه إلا بتقديم الكثير من التنازلات.

ولإزالة الشكوك المحتملة لدى القراء، فأن كل التحالفات السياسية الواسعة، بأحزابها الكبيرة ”الشيعية والسنية والكردية“ لا تستطيع تشكيل الحكومة، دون اللجوء إلى فواعل دولية وإقليمية، وبالأخص أذا كان أداء البرلمان ضعيف.

▪️ الثار السياسي.

بعض الأحزاب الشيعية الكبيرة، الداعمة للحشد الشعبي وفصائل المقاومة ”الأطار التنسيقي“ والمهيمنة على الساحة السياسية في البلاد، في مجال التخطيط والتنظيم والتوجيه، باتت اليوم تواجه تحديات وتهديدات غربية ”أمريكية وإسرائيلية،“ بنوابا معلنة وأخرى مخفية، تضمر السوء لها وللنظام السياسي برمته، ومن الجدير بالذكر أن المرحلة القادمة تشكل عامل قلق لديها، أن أستمرت في أستنزاف مقاعدها البرلمانية، مثلما حصل في الانتخابات السابقة، هذا من جانب، ومن جانب مختلف اخر، خشيتها من الأحزاب الصاعدة الأخرى المناوئة لها ” الاعمار والتنمية “ والقادرة على اقتناص أصواتها بسهولة، على أعتبار أنها طرحت زعماء آخرين «مرضي عنهم دوليا وإقليمياً» أستثمروا أبجدياتهم السياسية في ساحات سياسية بعيدة عنهم، ومغايرة لهم، وقد يروج الزعماء الجدد، نظريات قد تعمم فيما بينهم وبين الناخب، على أعتبار أن الأحزاب المخضرمة لا عقلانية سياسية لديها، مما سيخلق بين الأحزاب الشيعية بيئة للأرصدة السلبية، وساحة للأنتقام الحزبي وميدان للثأر السياسي.

▪️ التحديات المعقدة.

نتيجة لقناعات معينة، أفرزتها ظروف خاصة، شكلت أرضآ خصبة لمقاطعة إنتخابية شيعية، وأستقطاب أنتخابي سني، وتصارع سياسي كردي، وبالمحصلة النهائية غابت الأستراتجية الموحدة التي تجمع أحزاب البيت الشيعي ”المقاطع“ والسني ”المستقطب“ والكردي ”المتصارع“ ليغلب على أحزابهم الكبيرة طابع التشتت والأنقسام، لتعكس بوادر لأزمة تلوح بالأفق السياسي العراقي بعد الانتخابات، وبنفس هذا السياق فأن، المزاج الشعبي النافر، سينعكس سلباً على النتائج النهائية للأنتخابات وستأخذ نصيبها منها، ومن نسبة المشاركة فيها، لتدخل البلاد في فراغ سلطوي قائم على أسس غير صحيحة، سيؤدي بالنهاية إلى صدامات سياسية قد تتطور لاحقاً إلى ماهو ابعد من ذلك، تحديداً وأن هناك فواعل دولية وإقليمية تعمل لذاتها ولمنافع طبقات سياسية وإجتماعية معينة، لا تريد خيراً بالعراق.

▪️ التوجهات الإقليمية حول العراق في المرحلة المقبلة.

🔹 التوجه التركي.

من داخل إطار الفكرة العالمية، والمعتقد الإقليمي،

وكنتيجة حتمية للتغييرات الجيوسياسية والإستراتيجية التى حصلت في الشرق الأوسط، ووسط كم هائل من الضغوطات الغربية "الأمريكية والإسرائيلية“ على الحكومة الحالية، والتي سترمي بياناتها بشكل آلي في أحضان الحكومة المقبلة، حتى ترى إن هناك أدوار إقليمية هبطت في إشارة إلى  ”إيران“ وأدوار أخرى قد صعدت في إشارة إلى ”تركيا“ ويماثلون لكليهما في الحالة السورية واللبنانية والغزاوية الجديدة بلا حماس، تحديداً وإن هناك رغبة شديدة لدى أنقرة في تغيير ملامح التحالفات الإقليمية لصالحها خلال الفترة المقبلة، لتسمح بتعاظم الدور التركي في العراق، علمآ إن ملامح العصر العثماني، بدأ يتشكل في الفترات الماضية في شمال البلاد.

🔹 التوجه الخليجي.

تطمح دول مجلس التعاون الخليجي، المناهضة للمشاريع الجيوسياسية الإيرانية، وعلى رأسها السعودية لـ ”لبننة“ العراق سياسياً، ليكون متأزم دائماً ويمر في متاهات سياسية وإجتماعية وأقتصادية يصعب الخروج منها، لتنهي من خلاله الدور الإيراني في العراق، على أعتبار أنه دور لا يراعي المصالح العربية، ونقل العراق من طور الدولة في الحضن العربي، إلى اللا دولة في الحضن الإيراني، فأرهق نفسه وخفت نجمه وقل تأثيره في البلاد بصورة كبيرة، وستدعم الدول الخليجية هذه التحولات الإستراتيجية إن حصلت وبقوة، ولا مشكلة لديها أن تلاقت مصالحها، أو تقاطعت مع المصالح التركية في بغداد، وكل ما يهمها هو عراق خالي من إيران.

🔹 توجهات أخرى.

التوجه التركي والتوجه الخليجي، كلاهما يمثل توكيد معنوي للتوجهات السورية والأردنية في العراق، حيث يتطابق الاول مع التوجهات التركية، بينما  يلتحق الثاني تلقائيا بالتوجهات الخليجية، وكل الأطراف اعلاه لا تريد أن تعمل بصورة إنفرادية، ويمكنهم تشكيل حلف رباعي بدواع أمنية وإقتصادية لتعزيز أمن بلدانهم القومي، نظراً لكون النشاط السياسي السابق في بغداد، يمثل نشاط معادي لهم، خصوصاً بعد أن أصبح للحشد الشعبي وفصائل المقاومة أجنحة سياسية في الحكومات العراقية.

وكل الأطراف اعلاه تدرك أن فرصة التعاون بينهم بشأن العراق، مرتبط كلياً بنوع الحكومة القادمة، لذلك سيعملون لاحقاً وبكل الوسائل والأمكانيات، على خلق نوع من التقارب بين سوريا والعراق، لتخفيف الحساسية السياسية والأمنية بين بغداد ودمشق.

▪️ موقف الأحزاب العراقية من التوجهات أعلاه.

تدرك الأحزاب والقوى السياسية الشيعية، وخصوصاً الكبيرة منها، أن التوجهات التركية بشأن العراق هي عبارة عن؛ محاولات قائمة على خلفيات تاريخية، لإعادة أمجاد الدولة العثمانية، بحلتها الجديدة في البلاد، وبالتحديد في المناطق التي تراها انقرة مرتبطة تاريخياً بالعثمانيين، كمدينة الموصل وضواحيها، وتنظر نفس الأحزاب اعلاه إلى العمليات العسكرية في شمال العراق على أنه احتلال سافر وجد حجته وأعلن برهانه بعقد مبرم بين بغداد وأنقرة، للقضاء على حزب العمال المعارض للحكومة التركية، على أساس أنه أمر مؤقت «كمسمار جحا تماماً» لتهيمن تركيا على مناطق مهمة من إقليم كردستان، حتى أصبح الاحتلال ”واقع حال“ لا يسر أحد في فترة زمنية حرجة، بغض النظر عن رغبة الحكومة وآمالها.

ومن المؤكد إن نفس الأحزاب اعلاه تنظر إلى التوجهات الخليجية في العراق على إنها محاولات لجر البلاد بأتجاه التطبيع مع تل أبيب، لترافق بغداد باقي العواصم العربية، حتى تجتاز القافلة طريق التطبيع بيسر وسهولة.

بينما الأحزاب والقوى السياسية السنية والكردية، ترى في الخليج وتركيا، عمق عربي، وأمتداد إسلامي، ولا تمانع الاتحاد مع تركيا، ومحالفة الخليج، أو كلاهما معاً، ويمكن أن نقول إن لديها  نوع معين من الأهداف وتسعى لتحقيقها حتى وإن وضعت إيديها بأيدي الشيطان نفسه.

عموما..

كل ما تقدم أعلاه مجرد فرضيات وتحليلات عميقة، قد تصيب وقد تخيب، فأن صابت، نرجوا من الحكومة المرتقبة أن تكون على قدر المسؤولية، لتحافظ على أمن وأمان البلاد والعباد، وأن خابت، نرجوا منها أن لا تدمر الدين والحرية والأقتصاد والبنوك والمعلومات، أما إذا خاب بعضها وصاب الآخر، نرجوا منها؛ أن تمتلك رغبة واضحة ونية صادقة، في الإصلاح الشامل والتقدم والازدهار، وفي كل الأحوال وتحت جميع الظروف، على الحكومتين ”التشريعية والتنفيذية“ في المرحلة المقبلة قطع أذرع أخطبوط الفساد، بكل السبل وشتى الإمكانيات. وأن لا تسلك طرق ملتوية، وتخترع سبل معينة، حتى يدافع عنها محاربين الإعلام مجاناً.

وفي الختام..

ووفق الاعراف السياسية المعمول بها حالياً فإن من سيحكم العراق في المرحلة المقبلة سيكون من المكون الشيعي، لكن غير واضح المعالم لحد هذه اللحظة، والأهم أن يكون لديه مساحة من النفوذ السياسي، تسمح له بترجمة أقواله وأفعاله على أرض الواقع.


إرسال تعليق

أحدث أقدم