تحولات الوعي الأجتماعي في المجتمعات المتفاوتة، تحريف الحقيقة وتشويه الواقع..!! ”تحليل مبسط للواقع العراقي“

غيث العبيدي

المقدمة.

يمتلك الوعي دائمًا موقعاً حساساً داخل البنية الإجتماعية، فهو ليس مجرد نتاج معرفي يجسد العلاقة بين الأنسان وحالته الزمنية وأنتماءته الطبقية ونشاطاته العامة وقدراته الاخرى، وأثبتت التجارب التاريخية أن الثقافة بأعتبارها الإطار العام التي يتشكل منها الوعي  بكل أنواعه، فتعمقه وتطورة وتحدد مساره،  لم تكن متاحة بالتساوي أمام للجميع، بل هي محكومة بتوازنات خاصة وأهمها؛ السياسية والدينية والإجتماعية والإقتصادية، وطبقاً لذلك، تغيرت النتاجات المعرفية، وإعيدت صياغة العلاقة بين المعلومات ومعانيها الحقيقية، حتى إستنزف الوعي العام بين المجتمعات، لدرجة أصبحت فيها الثقافة عبارة عن حالة إستعراضية تثير الاشمئزاز.


▪️ الوعي العام في العراق.


تشكل الوعي بين الجماهير العراقية من تجارب تاريخية غنية بالصراعات الدينية والسياسية والإجتماعية، وتعامل مع تحديات كبيرة، تمثلت في محاولة السيطرة عليه من قبل الأنظمة السياسية المستبدة، والتقسيمات الطائفية، والتأثيرات الأيديولوجية الخارجية، والطموحات الإعلامية، وكل ما تقدم اعلاه عرض الجماهير إلى ضغوطات كثيرة،  لذلك يمكننا القول بأن الوعي العراقي ملف ”مشرد الثقافة ومفكك الهوية“ في كل جوانبه الأساسية، ويمكن تقسيم الوعي العراقي الى..


1️⃣ الوعي المقيد.

2️⃣ الوعي الفوضوي.


🔹 الوعي المقيد.


أستخدم البعث الصدامي البائد في العراق أسلوب أحادية ”الأنا البعثية“ كردة فعل أيديولوجية عنيفة ضد العراقيين، وحصرت التفكير في أطار ”محاربة النظام“ وفرضت شروط على العقلية العراقية جعلت فيها ”طاعة النظام البعثي“ تكليف شرعي للتفكير لا يسقط حتى عن الأطفال و المجانين، وشرط أساسي لصحة المواطنة، ووضعت حدود له بعدم الخوض في الذات البعثية، ووجهت سلوك الأفراد بما يخدم البعث حصراً، حتى وصل لدرجة أن قال فيه بعض الشعراء «أمنت بالبعث رباً لا شريك له، وبالعروبة ديناً ماله ثاني» فكان البعث ينظر إلى الوعي خارج نطاق ”الحزب والثورة“ عدو يجب القضاء عليه، لذلك أعتبر ميزان سلوك الأفراد تفكيرهم، فأن كانوا مؤمنين بالبعث أحسنوا المواطنة، وعدا ذلك هم أعداء، ومصيرهم أما الإستبعاد أو الإعدام، وأستخدم البعث المؤسسات التعليمية لحشو عقول الطلبة بأيديولوحية البعث بأسلوب منهجي ومنظم، ويكرر يومياً. صور الرئيس معلقة على جدران الصفوف وفي الممرات وعند المداخل وفي المخارج، ينظر إليها الطلاب طوال فترة الدوام، فضلاً عن تعويذة يوم خميس لتلقين الطاعة، تقدم فيها إدارات المدارس فروض الولاء للنظام الصدامي، ويذكر فيها أسم القائد الضرورة مرات عديدة خلال نصف ساعة، لتلتهب أيدي الطلاب من حرارة التصفيق، وأن حصل وحمل راس أحدهم سواء كان طالب او من الهيئات التدريسية فكرة ما تخالف مزاج الحزب والثورة فيقطع الرأس ويفنى الجسد، لذلك يمكننا القول بأن الوعي المقيد ماركة مسجلة بأسم النظام الصدامي، لتمييز حزب البعث فضلا عن حمايته.


🔹  الوعي الفوضوي.


تميزت فترة ما بعد البعث الصدامي بالتشتت واللامبالاة وصعب فيها تنظيم المعلومات، فوضى مادية وسلوكية وفكرية، والكل يتلقى فيها المعلومات بطريقة عشوائية، وصلت فيها الكثير من الحالات إلى درجة إفساد الوعي والتأثير على القيم والمعتقدات، وفي العراق أرتبطت تلك الحالة ب..


• الحداثة الطارئة.

• نوع النظام السياسي.

• بروز بيئات غير منظمة.


ويمكن أن نقول عنها أنها آليات لم تتكيف معها الجماهير بالشكل المطلوب، مما تسبب في ظهور حالة من الوعي المضاد أو الحقيقة المزيفة، والذي أستخدم لها جيشاً من التقنيات، لبيان المضامين في غير معانيها الحقيقية، مثلاً أستخدمت الحداثة الطارئة لتسقيط النظام السياسي والحوزات العلمية ورجال الدين، عبر البيئات غير المنظمة التي فهمت سلوك الأفراد من خلال التدريب والتوقعات.   


وهناك نوع آخر من الوعي الفوضوي، وهو أن التفكير

 العميق تجاوز حدود طاقة العقول التي تعودت على الكسل وأخذت أستراحات طويلة من مهامها وواجباتها في عهد البعث الصدامي البائد، حتى أصبحنا نعيش في عالم تآكلت فيه الحقيقة وطغى فيه الزيف، ونشطت من خلاله مقابر الوعي، وبرزت فيه بشكل كبير حرية التعبير الزائف، وحماسة فن التلاعب بالمعاني والحقائق والمضامين.


إرسال تعليق

أحدث أقدم