نزع سلاح حزب الله.. مدخل لاحتلال لبنان وفرض التطبيع




بقلم/عامر جاسم العيداني

في خضمّ ما يشهده الشرق الأوسط من تحولات سياسية وأمنية عاصفة، خصوصا في ما يحصل في غزة من حرب إبادة وتجويع على يد اسرائيل ، تتصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لنزع سلاح حزب الله في لبنان بحجج تتراوح بين حماية "السيادة اللبنانية" وتحقيق "الاستقرار الإقليمي". غير أن المتأمل في خلفيات هذه الدعوات يدرك أنها لا تنفصل عن مشروع أوسع يستهدف تصفية المقاومة، تمهيدًا لوضع لبنان في قبضة الهيمنة الإسرائيلية – سياسياً وأمنياً واقتصادياً.


فحزب الله لم يعد مجرد فصيل عسكري أو تيار سياسي لبناني بل تحول إلى رقم صعب في معادلة الصراع مع الكيان الإسرائيلي ليس فقط داخل حدود لبنان بل في عموم المنطقة ، وهذا ما جعل مسألة نزع سلاحه ليست شأناً داخليًا فحسب بل جزءاً من صفقة إقليمية كبرى يراد من خلالها تفكيك أدوات الردع بوجه إسرائيل وتهيئة الساحة لفرض تسويات سياسية مجحفة.


الحديث عن نزع سلاح حزب الله لا ينفصل عن خطة تصفية قادته سواء عبر الاغتيال المباشر أو بالعزل السياسي والتجريم القانوني تحت غطاء قرارات دولية أو ادعاءات "سيادة القانون". وقد رأينا كيف تم اغتيال عدد من القادة العسكريين في السابق وآخرهم في العدوان الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان وسوريا في محاولة لقصم العمود الفقري للجناح العسكري للحزب.


ومع نزع السلاح وتصفية القيادة تكون الأرض ممهدة لتنفيذ أجندة أكثر خطورة وهو احتلال لبنان سياسيًا وربما عسكريًا وفرض التطبيع القسري مع إسرائيل كما حدث في دول عربية أخرى ، إذ أن سقوط "ورقة المقاومة" يعني ضياع التوازن وتحويل لبنان إلى ساحة مفتوحة أمام الأطماع الإسرائيلية والاستثمارات المشروطة والمشاريع الاقتصادية التي لا يمكن فصلها عن المسار التطبيعي.


المعادلة التي تسعى قوى الغرب وإسرائيل إلى ترسيخها في لبنان واضحة "السلام مقابل التطبيع" أو بالأحرى "الاستسلام مقابل الحياة"، لكن تاريخ لبنان والمقاومة فيه أثبت أن الساحة اللبنانية ليست قابلة للتركيع بسهولة ، فالتطبيع الذي فُرض في السرّ على بعض النخب السياسية والاقتصادية يواجه رفضاً شعبياً واسعاً يغذّيه الإرث المقاوم الذي تكرّس في وجدان اللبنانيين منذ الاجتياح الإسرائيلي في 1982 وحتى اليوم.


لكن الضغوط تزداد وتتخذ أشكالاً اقتصادية ومالية وإعلامية تهدف إلى إنهاك الداخل اللبناني وتجويع الشعب ودفعه للاقتناع بأن الخلاص لا يأتي إلا عبر الرضوخ للمطلوب وهو حلّ حزب الله بعد إسقاط سلاحه ثم الانفتاح على "السلام" المزعوم مع عدوٍ لم يتوقف يومًا عن ارتكاب الجرائم بحق اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء.


ما يغفل عنه كثيرون أن المقاومة ليست بندقية فقط، بل هي ثقافة وهوية وقرار سيادي مستقل وحتى لو أُجبر الحزب أو أُضعف عسكريًا فإن روحه الحقيقية لن تموت ما دام هناك من يؤمن بأن "العدو لا يفاوض، بل يُقاوَم". فلبنان ليس ساحة مفتوحة للمساومات والتجربة أثبتت أن إرادة الشعوب قادرة على قلب الموازين مهما اشتدت العواصف.

ولمن يشكك في هذه النوايا تكفي الإشارة إلى النموذج السوري حيث جرى تدمير البنية التحتية للدولة وتفكيك الجيش وتحويل مدن بأكملها إلى ركام تحت ذرائع "الحرية والديمقراطية". لكن خلف هذا المشهد الدموي كان الهدف هو إضعاف الدولة السورية وإخضاعها لمسار سياسي جديد يُفضي في نهايته إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل ونزع آخر ما تبقّى من محور المقاومة.

في الختام نزع سلاح حزب الله ليس مطلبًا محليًا كما يُسوّق بل هو رأس حربة في مشروع كبير لإعادة رسم خريطة المنطقة لصالح إسرائيل ومن يظن أن هذه الخطوة ستجلب السلام والاستقرار يتجاهل دروس التاريخ. فالمقاومة هي التي منعت الاحتلال وهي التي تحفظ السيادة وبدونها سيتحول لبنان إلى مجرد محطة على طريق "الشرق الأوسط الجديد" الذي تحلم به إسرائيل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم