جلسة برلمان… نصاب مكتمل وقرارات صحيحة رغم الغياب والشجار




د. راقية الخزعلي

قال تعالى :﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42]

في مشهد يعكس تداخل السياسة بالقانون، شهد مجلس النواب العراقي  الثلاثاء الماضي ، جلسة مثيرة للجدل، حيث اكتمل النصاب القانوني لانعقادها رغم غياب رئيس المجلس، الذي كان متواجداً في كافتريا المجلس، فتولّى النائب الأول لرئيس المجلس إدارة الجلسة. جرى خلالها التصويت على بعض القرارات التي اعتُبرت صحيحة من الناحية الدستورية، استناداً إلى المادة (55) من الدستور العراقي التي تجيز لنائب الرئيس إدارة الجلسات عند غياب الرئيس، وكذلك المادة (27) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تشترط فقط اكتمال النصاب المتمثل بأغلبية عدد الأعضاء لعقد الجلسة.

ورغم أن النصاب القانوني تحقق والإجراءات اتبعت وفق الأطر التشريعية، فإن الجلسة لم تُختتم رسمياً، بل بقيت “مفتوحة” حتى بعد انتهائها فعلياً إثر شجار وعراك بالأيدي بين بعض النواب، وهو أمر ليس بالغريب ان يحصل شجار في مجلس النواب العراقي وتراشق بالالفاظ والاتهامات كما حصل في عام ٢٠١٦ في احد جلساته  وعام ٢٠١٩ 

والسؤال المهم هنا هل تعد الجلسة صحيحة من الناحية القانونية والدستورية وملزمة في إجراءاتها والقرارات التي تم التصويت عليها ام تعد باطلة وتبطل كل الاجراءات المتخذة في حينها ؟

نجيب على هذا التساؤل المهم بالقول ، ان الفيصل في اعتبار الجلسة منعقدة وصحيحة او غير  منعقدة  ومن ثم تعد باطلة ،، هو  (تحقق  النصاب )  المتمثل بالاغلبية المطلقة ب ( النصف + ١ ) فاذا حضر النواب الذين يمثلون ذلك العدد فتعتبر الجلسة صحيحة ومنعقدة واجراءاتها ملزمة بحسب نص المادة  (59/اولاً  ) من الدستور العراقي وهذا النصاب قد تحقق في جلسة الثلاثاء الماضي ممايعني ذلك صحة انعقاد الجلسة  من الناحية القانونية .

بيد أن البعض قد اعترض على رئاسة الجلسة وذهب الى القول ان ترأس الجلسة من قبل النائب الاول السيد محسن المندلاوي بوجود الرئيس يجعل من جلسة الانعقاد باطلة ؟!

ترأس الجلسة من قبل نائب الرئيس امر يعد قانوني هو الاخر وصحيح ، وذلك لان العبرة ليست بوجود الرئيس في اروقة مجلس النواب ، وانما العبرة بحضوره قاعة الانعقاد في الموعد المخصص لذلك . 

اذاً الجلسة المنعقدة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب العراقي في موعدها مع تحقق النصاب  تعد صحيحة بحسب نص المادة ( 11 ) من النظام الداخلي  لمجلس النواب العراقي.

هكذا، تبقى القاعدة الثابتة ، أن ( القانون ) هو  من يحدد صحة الجلسة واجراءاتها ، أما السلوك السياسي فهو شأن آخر قد يترك أثره في الرأي العام أكثر من نصوص المواد القانونية نفسها .

وفي الختام، فإن مجلس النواب العراقي هو مرآة الشعب وصوته أمام العالم، وما يصدر عنه من سلوك وتصرفات ينعكس مباشرة على صورة العراق وهيبته. لذلك ندعو رئيس المجلس وأعضاءه إلى التحلي بحسن الخلق، وضبط الانفعالات، وترك الألفاظ الخادشة التي لا تليق بمكانة المؤسسة التشريعية، ليكونوا قدوة في الحوار الراقي واحترام الرأي الآخر، ولتظل قبة البرلمان بيتاً للاتفاق والبناء لا ساحة للشجار والانقسام .


إرسال تعليق

أحدث أقدم