ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي
نشر رجل الدين المعمم عبد الناصر الجنابي صورة رسمية له على حسابه بمنصة أكس، يبدو أن الجنابي يحلم بلعب دور شبيه بأبو محمد الجولاني في سوريا. لكن هذا القياس باطل من أساسه. فالعراق ليس سوريا، وظروف العراق لا تسمح بظهور شخصية تفرض نفسها بالقوة على الداخل. والمقارنة بين الاثنين أشبه بمحاولة تقليد مشهد مسرحي بلا جمهور ولا خشبة عرض.
والجنابي لم يكن “خياراً أميركياً”، بل هو من ابتكر هذا الوهم في ذهنه، وسعى إلى تسويقه إعلامياً على أنه مطلب أميركي أو دعم خارجي، محاولةً منه لإيهام الشعب العراقي بوجود بديل قوي يمكن أن يعيد تشكيل المشهد السياسي.
لكنه في الحقيقة يقدم مسرحية هزيلة، قد يصدقها بعض المغفلين، لكنها سرعان ما تتكشف أمام الواقع الميداني والسياسي.
الجنابي لا يشبه قادة المعارضة التقليدية الذين يمتلكون شبكات اجتماعية – سياسية أو فكرية.
تاريخه مرتبط بالإرهاب ودماء العراقيين، حصانته سُحبت من البرلمان، ولم يستطع تأسيس أي حضور حقيقي في الداخل. اليوم يعيش في عزلةٍ اختيارية، يتظاهر بالترف من جهة، ويدّعي الدفاع عن الفقراء من جهة أخرى. حتى ظهوره الإعلامي عبر "معهد كابيتال انستيتيوت" لم يكن سوى محاولة تسويق باهتة، غابت عنها أي شخصيات سياسية أو اعلامية ذات وزن أو تأثير.
العراق اليوم ونظامه السياسي لا يقارن بأي صورة من صور النظام البعثي سوى في العراق او سوريا, فالدولة العراقية قوية، و لديها مؤسسات سياسية قائمة، وجيش وطني مجهز بصنوف قتالية متعددة قادرة على حماية السيادة ومواجهة أي تحديات.
وكذلك وجود هيئة الحشد الشعبي، التي تشكل قوة شعبية عقائدية عسكرية قادرة على حماية النظام السياسي، والتعامل مع أي تهديد يسعى لزعزعة الاستقرار أو المساس بالمكاسب السياسية.
وأي محاولة لإيهام العراقيين بأن الجنابي، أو غيره يمثل البديل أو الصوت الخارجي القادر على إعادة ترتيب السلطة، يصطدم مباشرة بقدرة الدولة والمجتمع على كشف الوهم وحماية المشهد الوطني من اللعب على الإعلام والتضليل.
هذا المسكين الذي يعاني من العزلة خارج البلاد، لا يمتلك أي حضور ميداني أو سياسي، وهو شخصية مثقلة بتاريخ دموي وتهم إرهاب، ولا يملك أدنى فرصة لتشكيل قاعدة داخلية أو فرض نفسه بالقوة على المشهد .
الجنابي يحاول بيع "أوهامه" كحقيقة سياسية، لكن العراق بمؤسساته وقواه الشعبية لم يعد مكاناً لتجارب شخصية أو مسرحيات إعلامية فارغة من المضمون.
*الجنابي.. معارضة كرتونية بلا تاريخ ولا شرعية*
في المقابل، يأتي عبد الناصر الجنابي اليوم ليطرح نفسه "رئيساً للمجلس الوطني للمعارضة العراقية"، لكنه يفتقد لكل مقومات المعارضة التي عرفها العراق: لا يملك تاريخاً سياسياً نضالياً، بل تاريخه مرتبط بالإرهاب والتورط بدماء أكثر من 150 عراقي في بابل. وليس لديه قاعدة جماهيرية، إذ يعيش عزلة في الاردن-عمّان، وهو غير معروف لدى الشارع العراقي، ومرفوض اجتماعياً وسياسياً. ولا يملك أدنى شرعية خارجية، فهو لا يحظى بثقة أي دولة إقليمية أو جهة دولية معتبرة.
ظهوره الإعلامي الأخير عبر معهد صغير لا يعدو كونه نشاطاً باهتاً. يمارس سلوك استعراضي مثل ارتداء الزي الرسمي "تلبية لرغبة حالمة"، يفضح فيها ارتباطه بالرهان الخارجي لا بالواقع العراقي.
*الفارق بين معارضة الأمس واليوم*
لا يمكن مقارنة الجنابي بالمعارضة التي واجهت صدام: معارضة الأمس، لم تكن هامشية ولا شخصيات عابرة. بل كانت أحزاب وحركات عريقة مثل حزب الدعوة الإسلامية، المجلس الأعلى، والحزب الشيوعي العراقي، و الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني. وقيادات تاريخية عُرفت بنضالها الطويل مثل الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، والراحل جلال طالباني، والسيد مسعود بارزاني، والمرحوم أحمد الجلبي، والسيد ابراهيم الجعفري، والسيد نوري المالكي، وحميد مجيد موسى وغيرهم من الرموز الذين رسخوا حضورهم عبر عقود من العمل السياسي والفكري. بينما اليوم نجد شخصية هامشية معزولة، بلا مشروع، بلا جمهور، تحاول تقمص دور "الجولاني العراقي" من فنادق عمّان.
كما أن النظام السياسي العراقي الحالي، رغم أزماته العميقة من فساد وانقسام، ولكنه ليس نسخة من نظام صدام الدموي الذي فقد شرعيته بالكامل. فهناك عملية سياسية قائمة، برلمان، ودستور، وانتخابات، وفضاء عام يمكن فيه التعبير عن المعارضة الداخلية. وهذا يقطع الطريق على أي "معارضة مصنوعة" من الخارج.
*العراق ليس حقل تجارب*
صحيح أن العراق اليوم يمر بأزمات بنيوية عميقة، لكنه في الوقت نفسه يمتلك مناعة ضد استنساخ تجارب سوريا وليبيا. أما المعارضة المصنوعة في الخارج لن تجد بيئة حاضنة، بل ستُعتبر أداة تخريبية بيد واشنطن وتل أبيب. المستقبل العراقي سيتحدد من خلال، الإصلاح الداخلي وضغط الشارع على القوى السياسية. وهندسة التوازنات الإقليمية بين إيران وتركيا ودول الخليج. وإرادة وطنية ترفض أن يكون العراق مختبراً لمشاريع تقسيم أو معارضة وظيفية.
وعبد الناصر الجنابي ليس سوى نموذج متأخر لـ"المعارضة المصنعة" التي لم تعد تنطلي على العراقيين. حلمه بأن يكون "جولاني العراق" يتبدد أمام حقيقة أن العراق لا يشبه سوريا، وأنه شخص بلا قاعدة ولا فائدة، وبلا مشروع، وبلا شرعية.
إن معركة العراقيين ليست معارضة في المنفى ولا شعارات على "إكس"، بل معركة يومية ضد الفساد، وسوء الإدارة. أما أمثال الجنابي، فلن يكونوا أكثر من أدوات إعلامية عابرة في مشروع أميركي ـ إسرائيلي خاسر منذ البداية.