​كرة القدم ليست حربًا… بل مساحة للأخلاق قبل النتائج


حسن درباش العامري 

هل خسارة منتخب مباراة كرة قدم تُعدّ أمرًا عظيمًا؟

هل هي فاجعة كونية لا يمكن إصلاحها؟

هل ستغيّر الشمس مدارها حزنًا، وتغضب الكواكب فتهجر فلكها؟

بالطبع لا.

إنها كرة قدم، فوز وخسارة، يوم لك ويوم عليك، وهذه هي طبيعة المنافسات الرياضية، ومتعتها الحقيقية تكمن في هذا الشدّ والجذب، في الأمل، وفي عدم ضمان النتيجة. فلو كان الفوز مضمونًا دائمًا، لفقد الانتصار معناه، ولتحولت اللعبة إلى فعلٍ بلا روح.

ما نشهده اليوم من تشنجات بين بعض الجماهير العربية، وخصوصًا بين الجمهورين الأردني والعراقي، على خلفية فوز هذا المنتخب وخسارة ذاك، أمر غير طبيعي ولا يعكس حقيقة الشعوب ولا أخلاقها. بل يبدو أحيانًا وكأن هناك من يتعمّد النفخ في نار الانفعال، وتحويل الرياضة من مساحة تنافس شريف إلى ساحة خصومة لا تليق بتاريخنا ولا بعلاقاتنا.

المنتخب الأردني، “النشامى”، قدّم واحدة من أجمل البطولات أداءً وروحًا، لعب كرة قدم ممتعة، منظمة، راقية، واستحق بجدارة المركز الثاني خلف منتخب مغربي يملك إمكانات كبيرة وتجربة عالمية واضحة. هذا ليس إخفاقًا، بل نجاح يُحسب، ورسالة تطمين لمستقبل كروي واعد.

ولا يجوز بأي حال أن نُحمّل اللاعبين أو المنتخب الأردني وزر نتيجة رياضية، أو نُقابل الجهد بالإساءة. فالنشامى يعكسون أخلاق شعبهم، طيبة الأردنيين، كرمهم، وبساطتهم. ذلك الشعب العربي الكريم الذي تربطه بالعراقيين رابطة الدم والعروبة والمصير، وليس بيننا من لا يحمل ذكرى طيبة مع الأردن وأهله.

وأكثر ما يعبّر عن حقيقة هذه العلاقة، تلك اللحظة الإنسانية الصادقة حين تعرّض اللاعب الأردني يزن النعيمات للإصابة. في تلك اللحظة، اختفت الألوان، وتوقفت الحسابات. لاعبو المنتخب العراقي داخل الملعب أبدوا اهتمامًا وتعاطفًا واضحًا، وكثير من الجماهير العراقية خلف شاشات التلفاز تأثرت وقلقت عليه بصدق، ربما أكثر مما قلق البعض من جماهير فريقه نفسها. لأن الإصابة لا تعرف جنسية، ولأن الألم الإنساني لا يُقاس بنتيجة مباراة.

هذا المشهد وحده كافٍ ليؤكد أن ما يجمعنا أعمق من تسعين دقيقة، وأن كل محاولات التحريض والتشويه تبقى صوتًا نشازًا لا يمثل الشعوب. تفوق اللاعب الأردني لا يزعج العراقي، بل يفرحه، لأن أي نجاح عربي هو ربح للجميع، وخطوة متقدمة باسم الكرة العربية كلها.

نحن لا يجب أن نشجّع الخسارة، ولا أن نفرح بإخفاق الآخر، بل أن نحتفي بالإبداع أينما كان، وأن نصفّق للأداء الجميل مهما كان القميص الذي يحمله صاحبه. فبهذه الروح فقط تبقى الرياضة رياضة، وتبقى المنافسة شريفة، وتبقى الأخلاق أعلى من الانفعال.

الأردن سيبقى الأردن، والعراق سيبقى العراق، وما بينهما أكبر من مباراة، وأبقى من نتيجة، وأصدق من ضجيج منصات عابرة.

أما الفوز الحقيقي، فهو ذاك الذي لا يُسجَّل في لوحة النتائج، بل في القلوب.

إرسال تعليق

أحدث أقدم