[الصراع الدولي في السودان]

د. هيثم الخزعلي

السودان دولة عربية تقع في شمال شرقي اقربقيا تحدُّها مصر من الشمال، وليبيا من الشمال الغربي، وتشاد من الغرب، وجمهورية افربقيا الوسطى من الجنوب الغربي، وجنوب السودان من الجنوب، واثيوبيا من الجنوب الشرقي، وارتيريا من الشرق، والبحر الاحمر من الشمال الشرقي.

يبلغ عدد سكان السودان نحو 50 مليون نسمة (تقدير 2024)وتبلغ مساحتها 1,861,484كم ٢ مما يجعلها ثالثَ أكبر دولة من حيث المساحة في افريقيا وفي العالم العربي .

وكانت الأكبر في إفريقيا والعالم العربي حسب المساحة قبل انفصال جنوب السودان عام ٢٠١١.

يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرقي وغربي وتقع العاصمةُ الخرطوم عند ملتقى النيلين الازرق والابيض رافدي النيل الرئيسَين. ويتوسط السودان حوض وادي النيل .

السودان تمتلك اراضي خصبة تمكنها من ان تكون سلة العالم العربي غذائيا لو تم استغلالها، الا ان سياسات الحكومات المتعاقبة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي عملتا على تدمير هذه الاراضي وتحو يلها لتجارة القطن.

كما تمتلك السودان معادن ضخمة من الذهب واليورانيون والتيتانيوم والنحاس..

بداية الصراع قي السودان :-

بعد استقلال السودان حدثت انتفاضة في دارفور ضد حكم البشير الذي استعان بقوات الجنجاويد (الدعم السريع) لقمع هذه الانتفاضة، وحسب بعض التقارير قتلت قوات الدعم السريع ٣٠٠ الف انسان وهجرت ١٠ مليون اخرين.

ثم حول البشير قوات الدعم السريع لقوة نطامية وربطها بجهاز المخابرات، وكان يعتمد عليها لحفظ نطامه.

الى ان تخلت عنه بعد ٣٠ سنة من حكمه ووقفت مع الجيش الى جانب الحراك الديمقراطي المدني الذي اطاح بالبشير.

ثم تم تاسيس (مجلس السيادة ) برئاسة البرهان ونائبه حميدتي، واعلنوا عن حكومة مدنية.

تراجع البرهان عن الحكومة الديمقراطية واستعان بقوات الدعم السريع لقمع الحراك الشعبي قبل ان تنقلب عليه.

الذهب مركز الصراع العالمي في السودان:-

نظرا لعدم وجود قوانين للتعدين وبنى تحتية لانتاج الذهب في السودان، فان من يمتلك ارضا بها ذهب يقوم باللجوء لشركة خاصة لاستكشافه وبيعه نيابة عنه وطبعا هذه الشركة تحتاج لامنها الخاص وهنا نشأت المليشيات.

. وعندما يكون الوضع مضطربا كما في السودان ستسعى هذه المليشيات للاستحواذ على اراض ومناجم اكثر وزيادة ارباحها من بيع المعدن الاصفر.

والسودان يغرق في حرب اهلية منذ زمن البشير الذي استعان بمليشيات اقليمية ومرتزقة لقمع الانتفاضة في دارفور، ثم تدخل المجتمع الدولي وفصل جنوب السودان الذي يضم ٧٥٪من ذهب السودان. وفقدت السودان جزء كبير من ثروتها.

ثم بسبب احداث دارفور والعقوبات الامريكية لم تتمكن شركات التعدين الدولية من الدخول للسودان واستثمار الذهب، وهذا دفع (الرئيس البشير) لمنح عقود لكل شخص يستطيع استخراج الذهب في السودان وذهبت معظم هذه العقود لجنرالات وقادة مليشيات ساعدنه في القضاء على التمرد.

واصبح مطار وميناء السودان منافذ لتهريب الذهب خصوصا للامارات.

ففي عام٢٠١٥ صرح (موسى كرامة) وزير التجارة السوداني ان الامارات استوردت( ١٠٢) طن، ذهب في حين ان حكومة السودان تقول ان انتاجها هذا العام كان( ٧٠) طن،

اكبر مناجم الذهب غير المستغلة هو (جبل عامر) الذي يقع شمال دارفور تحت سيطرة قوات الدعم السريع.و بعد سقوط البشير وصعود الحكومة الانتقالية حاولت الحكومة السودانية الاهتمام بقطاع الذهب فاشترت منجم( جبل عامر) من شقيق حميدتي ب(٢٠٠) مليون دولار ذهب مع (٣٣٪) من اسهم شركة( سودان مين) ، وان تقوم قوات الدعم السريع بتامين عملية التعدين.

ثم انقلب البرهان على الحكومة والغى العملية الديمقراطية واستدعى قوات الدعم السريع للعاصمة لقمع التظاهرات.

من هي قوات الدعم السربع؟

وهي نفسها (جماعة الجنجاويد) التي اسسها (ابراهيم موسي ) ابن عم (حميدتي ) التي ادينت بارتكاب جرائم حرب في دارفور من قبل المحكمة الدولية، بعد ان استعان بها الرئيس البشير،

ثم حولها لقوات نطامية ارتبطت بالمخابرات، ثم اتفق قائد الدعم السريع حميدتي مع البرهان للاطاحة بالبشير ودعم الحراك الشعبي وتاسيس حكومة مدنية، قبل ان يتراجعا عن الديمقراطية وينشب صراع بينهما على السلطة.

اسس( حميدتي) شركة تعدين ذهب باسم (الجنيد ) مقرها في دبي ووضع اخيه رئيسا لها وهذا ما مكنه من التوسع بشراء الاسلحة والاعمال التجارية التي تقع معظمها في الامارات.

واصبح حميدتي اغنى رجل في السودان بعد ان عزز علاقاته بالامارات وروسيا التي كانت ترغب بتعزيز ارصدتها الذهبية قبل غزو اوكرانيا،

- دور الامارات بتهريب الذهب وتمويل الحرب الاهلية في السودان :-

مع ان الامارات لا تمتلك منجم ذهب واحد، تحولت لاكبر تاجر للذهب قي العالم، فما هو سر ذلك؟

٤٠٠ طن من الذهب تهرب من افريقبا للامارات سنويا بقيمة ٣٠ مليار دولار ويتم تذويبه وتكريره وبيعه في دبي ليصبح قانوني ١٠٠٪.

واصبحت الامارات مركز عالمي لببع الذهب وغسيل الذهب. عبر تمويل الحروب الاهلية في افريقيا وخصوصا السودان.

دور الامارات اصبح في افريفبا يتعقد بشكل اكبر من خلال:-

١- شر اء الا اضي.

٢-البحث عن النفوذ الاقليمي وبما انها دولة صغيرة وجيشها صغير، فاستعانت بالوكلاء لممارسة هذا الدور مثل حفتر وحميدتي.

٣-الوصول لطرق التجارة الحيوية على البحر الاحمر،

ومع زيادة الاضطرابات السياسية عالميا وقلة ثقة الدول بالدولار اصبحت البنوك المركزية تقوم بشراء الذهب واصبحت( دبي) المركز العالمي المهم للذهب حبث يوجد بها (٧٠٠٠) تاجر و(٢٠٠) مصفاة ذهب، وتفرض تعريفات قدرها 0%على استيراد الذهب لدبي.

فاصبحت (دبي ) مدينة الذهب حيث تستورد اكثر من (١٠٠٠) طن ذهب سنويا ثلثيها ياتي من افريقيا.

وبعد زيارة (حميدتي) للامارات عام ٢٠٢٣ وعند عودته للسودان بدا بتنفيذ خطته ودخل الخرطوم. واندلعت حرب ادت لمقتل ١٥٠٠٠ ونزوح ١٠ مليون

خطوط امداد حميدتي الاماراتية بالاسلحة وانظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة تاتي من ليبيا عبر وكلاء مثل حفتر ثم تهبط في مطارات افريقيا الوسطى وتنقل برا للسودان، كما اعطى محمد بن زايد حاكم تشاد ٢ مليار دولار كاش، فاصبح مطار (ام كراز) ومنفذ (الجنينية )البري منفذا امداد للدعم السريع.

وخط الامداد الثالث عبر افريقيا الوسطى تحديدا ولاية (فككا ) التي يحكمها (نور الدين ادم ) وهو سوداني خريج كلية الشرطة المصرية وعمل في حماية الشيخ زايد، والان يعمل وكيلا للامارات، ويقود مليشيا اسلامية متطرفة وهو مجرم حرب مطلوب للمحكمة الدولية. و تنتج ولايته فككا(٣٠٠٠) طن ذهب سنويا تذهب للامارات عبر الدعم السريع،

وخط الإمداد الرابع من الامارات للدعم السريع عبر حنوب السودان، حيث منحتها الامارات قرض قدره (١٢) مليار دولار ضعف ناتجها المحلي الاجمالي،مقابل النفط الذي تمنعه عن شمال السودان، مع دعم قوات الدعم السريع.

الدور الروسي :-

وكان الذهب يهرب من السودان عبر شركة (فاغنر) الروسية منذ عام ٢٠١٤ لقاعدة روسية في سوريا.

وكان الروس يدربون قوات الدعم السريع ويجندوها للقتال في ليبيا، ويدعمونها بالاسلحة مقابل تهريب الذهب لروسيا، وخط الإمداد الروسي ياتي عبر جنوب السودان من ليبيا.

وجماعة فاغنر تنقل اسلحة لحميدتي عبر جنوب السودان،في حين زادت روسيا احتياطياتها من الذهب ٤ اضعاف حجمها قبل حرب اوكرانيا.

واخيرا لجا البرهان لتحسين علاقته بروسيا مقابل ان يضمن مصالحها، بتواجد قواعدها علي البحر الاحمر، واستمرار تدفق الذهب لخزائنها.

موقف ايران:-

ايران تهتم بالسودان بسبب نفوذ الاخوان المسلمين السابق، والاستفادة منها لنقل السلاح (لغزة )، وقام الكيان الصهيوني بقصف السودان عدة مرات في زمن البشير.

وهنا تلتقي مصلحة الكيان الصهيوني والامارات في دعم جماعة (الدعم السريع) لدحر اخر جماعات الاسلاميين والسيطرة على سواحل البحر الاحمر، وتامين الذهب لرجال الاعمال اليهود في الامارات.

ومع بيع ايران طائرات مسيرة للجيش السوداني، الا ان انظمة الدفاع الصينية التي زودتها الامارات لقوات الدعم السريع، حدت من قدرة هده الطائرات.

دور تركيا :-

تركيا التي تدعم الاخوان المسلمين في ليبيا تبحث عن توسيع نفوذها قي السودان عبر دعم الجماعات الاسلامية، وايضا زودت الجيش السوداني باسلحة وطائرات مسيرة.

دورالسعودية:-

السعودية في تنافس مع الامارات حول توسيع النفوذ الاقليمي، واتضح ذلك من موقف السعودية الداعم للشرع في سوريا، وموقف الامارات المناوئ له.

والسعودية تمتلك ساحل طويل امام السودان على البحر الاحمر، ولا ترغب بامتلاك الامارات نفوذ علي الجهة المقابلة.

كما ان هناك جماعات اسلامية ترتبط بالسعودية موجودة في السودان،( وبن لادن) نفسه كان موجودا في السودان.

دور مصر :-

دورها السياسي اكبر من الدور العسكري، مع ان حميدتي اتهم مصر بدعم الجيش السوداني، وهددها اكثر من مرة، الا ان موقف مصر بدعم الجيش السوداني سياسيا اكثر منه عسكريا لسببين :-

١- تخوفها من نفوذ الاخوان المسلمين في السودان.

٢- لا تريد تازيم علاقتها بالامارات.

الولايات المتحدة :-

الدور الامريكي في السودان يتمثل بغض الطرف عن الدور الاماراتي، وعدم معاقبة الشركات التي تزود الدعم السريع بالسلاح، عكس ما حدث مع الشركات الصينية والايرانية المتعاونة مع روسبا قي حرب اوكرانيا.

وهذا يحقق لها عدة اهداف

١-تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير قي السودان بايدي اماراتية وتقسيمه لشمال السودان وجنوب السودان واقليم دارفور.

٢- منع النفوذ الروسي على سواحل البحر الاحمر.

٣- الحد من النفوذ الايراني في السودان وقطع طرق امداد السلاح لغزة.

المشهد الحالي في السودان :-

بعد سقوط الفاشر ومدينة بارة على الطريق للخرطوم، فان غزو مدينة( الابيض) اصبح هدفا للدعم السريع، مما يفتح المجال امام غزو العاصمة الخرطوم، والذي اذا حدث بعني ان الامارات سيطرت على كل السودان وميناء السودان، وعززت نفودها في البحر الاحمر.

ولله عاقبة الامور

إرسال تعليق

أحدث أقدم