تحولات سياسية لا تحمد عقباها

محمد عطوف الاوسي

بعد وصول باراك اوباما الى سدة الحكم في امريكا تغيرت معه السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية ، حيث اكد في خطابه بالقاهرة في ٤ حزيران ٢٠٠٩ الموجه للعالم العربي كان لنزع مشاعر الكراهية من نفوس العرب التي احدثها سلفه ، فقد اكد ان ادارته تنتهج سياسة جديدة ، وأكد انه لا يمكن لأي دولة ولا ينبغي لأي دولة ان تفرض نظاماً للحكم على اي دولة اخرى ، وأن امريكا لا يفترض انها تعلم ماهو افضل بالنسبة للجميع ولا يُفترض ان تكون النتائج الانتخابية هي النتائج التي تختارها، وكان عنوان خطابه "بداية جديدة " إلا ان التطرف العنيف في خطابه يحتل نفس موقع الحرب على الأرهاب في التفكير السياسي للرئيس بوش ، فالدبلوماسية العامة هي استمرار الحرب على الارهاب لكن بوسائل اخرى ، اذن معيار المصلحة الوطنية الأمريكية هو المحرك الأول للمواقف الأمريكية من حركات التغيير العربية فهي دولة عظمى تبحث كغيرها من الدول الأخرى عن مصالحها ، والتي تعود في الأساس الى صناعة انظمة موالية لها بغض النظر عن سياسات تلك النظم تجاه شعوبها . بعد احداث ١١ سبتمر ٢٠٠١ واكتشافها ان ١٥ ممن نفذوا العملية كانوا من اصول عربية ، برز في هذا الوقت ما يعرف "بالأستثناء العربي " بحجة ان الديمقراطية بالمنطقة العربية غير ممكنةبسبب الثقافة العربية الأسلامية وبسبب الصراع العربي الأسرائيلي ، ويعد سبب "الاستثناء العربي " في امكانية وصول الاسلاميين الى الحكم اذا فتح المجال الحر والنزيه بما لهم من قاعدة جماهيرية عريضةخاصة في فترة قبل وبعد الانتفاضات العربية مثلما اسفرت عنه نتائج الانتخابات المصرية عام ٢٠٠٥ التي فازت بها جماعة الاخوان المسلمين ، وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام ٢٠٠٦ حيث فازت حركة حماس ، لهذا السبب استبدلت امريكا الديمقراطية والحرية بالأمن والأستقرار للحفاظ على اسواق النفط ، عراقياً ايضاً كنا نأمل بعد ٢٠٠٣ ان تكون لنا كسلطة وكشعب (( بداية جديدة)) لكن وللأسف لم تكن هذه البداية الجديدة بالمستوى المطلوب ، بل العكس هو الذي حصل فقد اسس النظام الجديد لشيء فرغم مرور اكثر من عقدين على تأسيس هذا الشيء لا يزال مستمراً ، فالمفترض ان النظام الجديد جاء ليُقيم صِرح الديمقراطية التي كانت غائب عن المشهد السياسي والاجتماعي قبل ٢٠٠٣ ، فالديظقراطية الوليدة جاءت باحزاب صعدت الى السلطة بآليات ديمقراطية ، اكتشف الشعب العراقي ان بعض هذه الحزاب وفور توليها زمام السلطة أنها دكتاتورية اشد قسوةً من الحكم الفردي والحكم الدكتاتوري ، حيث اعتمدت على منهجية العداء للماضي اعتقاداً منها انها ستسيطر على الحاضر والمستقبل ، واستخدمت اليات وأجرءات تشريعية لازاحة القوى المعارضة عن طريقها ، فبالقدر الذي كان النظام السابق يطلق مسميات مختلفة تجاه معارضيه ، سارت على دربه المعارضة (الحاكمة ) اليوم ، وتعاملت مع معارضيهم لكن بمسميات جديدة ، وهي تدري او لا تدري انها تناقض بعملها هذا جوهر الديمقراطية الحقيقية التى تصبغها على نظامها ، لانه في النظام الديمقراطي الخصم السياسي ليس عدواً لدوداً ينبغي قهره او التخلص منه ، وأبرز مثال على ذلك نيلسون مانديلا الذي قدم نموذجاً ملهماً لأنهاء احد من اعتى النظم التسلطية العنصرية في العالم ، أقام نظاماً ديمقراطياً ليس مزيفاً في جنوب افريقيا مع فردريك وليام دي كليرك رئيس وزراء الحكومة العنصرية الي تولى ئاسة البلاد ( ١٩٨٩- ١٩٩٤ ) وقادَ مع مانديلا عملية اسقاط النظام العنصري . ايضاً عراقياً منذ الجمهورية الأولى مارست انظمة الحكم (ومعها الاحزاب) التي تعاقبت على ادارة شؤون العراق كل وسائل القمع وتكميم الأفواه والسجون والاعدامات والاغتيالات تجاه معارضيها ، فبنت بذلك ثقافة الثأر والحقد والكراهية وحب الانتقام تجاه الآخر المختلف سياسياً ، لذلك لم يستقل او يستقر العراق لا سياسياً ولا اجتماعياً بل وحتى اقتصادياً. ان انحراف العمل السياسي عن اخلاقية العمل السياسي الحقيقي جعلت من السلطة هدفاً وليس وسيلة ، لهذا نجد اللهاث خلف السلطة هو السمة الواضحة لما يجري اليوم لتحصيل المناصب و المغانم والامتيازات ، والاخطر هو ماحصل عندما تبنت ما اسميتهُ ( بالديمقراطية التوافقية ) لأيهام العالم والشعب العراقي ان ما يقومون به هو الديمقراطية بعينها ، معركة العراقيين السلمية مع الأستبداد وحكم العوائل لا تزال وستستمر الى ان نصل الى فهم حقيقي لنظام حكم عادل مدني وديمقراطي فكراً وتطبيقاً .

لكم مني محبة وسلام

إرسال تعليق

أحدث أقدم