د.ضياء واجد المهندس
في سابقة لافتة، أعلن مجلس الوزراء العراقي تعيين 112 سفيرًا دفعة واحدة، وهو رقم لم تشهده وزارة الخارجية العراقية من قبل في أي عهد سابق. وعلى الرغم من الشعارات المرفوعة عن "إصلاح مؤسسات الدولة"، إلا أن توقيت القرار ومضمونه كشفا عن حقيقة مختلفة تمامًا: الدبلوماسية العراقية باتت تُدار وفق منطق الغنيمة الحزبية، لا المصلحة الوطنية.
أثار القرار موجة غضب في الشارع العراقي ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تساءل ناشطون وصحفيون عن المعايير التي اعتمدت في اختيار هذه الكوكبة الدبلوماسية. فهل تم اختبارهم وفق شروط الكفاءة؟ أم أن السفارات أصبحت "مكاتب تشغيل" لأبناء الطبقة السياسية.
"أين شروط الكفاءة؟ وهل أصبحت السفارات مكاتب تشغيل للذوات؟"
"هل يُعقل أن يُعيَّن 112 سفيرًا في بلد نصف سكانه تحت خط الفقر؟"
التمثيل العائلي بدل الوطني
تفحّص أسماء القائمة يكشف أنها تمثل طبقة اجتماعية واحدة: أبناء وأشقاء وأقارب رؤساء الأحزاب وكبار المسؤولين. أكثر من 60% من الأسماء المقترحة إما منتمون سياسيًا، أو محسوبون على تيارات حزبية نافذة. بينهم:
نجل رئيس مجلس النواب الحالي
نجل أحد أبرز السياسيين الظهور إعلاميًا
زوجات وأشقاء قيادات حزبية
موظفون حزبيون تمت ترقيتهم بصفقة سياسية لا بكفاءة مهنية
إقصاء الكفاءات المستقلة
بحسب مصادر داخل وزارة الخارجية، فإن اللجنة المكلّفة بإعداد القائمة لم تفتح باب التقديم للموظفين المهنيين، بل قامت بـ"مراسلة زعماء الكتل السياسية" لاقتراح مرشحين من موظفي الوزارة المرتبطين بها.
أما الكفاءات المستقلة – وهم بالعشرات – فقد تم تجاهلهم تمامًا، لا لقصور في مؤهلاتهم، بل لأنهم لا يملكون ظهرًا سياسيًا، ولا يجيدون لعبة التملق أو تقديم الولاءات.
أرقام صادمة عن الدبلوماسية العراقية
يوجد حاليًا أكثر من 85 سفيرًا في الخارج منتمين لأحزاب أو محسوبين على جهات سياسية.
عدد البعثات الدبلوماسية العراقية يقارب 88 سفارة و19 قنصلية، ما يعني أن التعيينات الأخيرة قد تُنتج فائضًا غير مبرر من السفراء.
وفق تقارير ديوان الرقابة المالية، فإن موازنة وزارة الخارجية ارتفعت بنسبة 24% خلال عام واحد فقط بسبب النفقات التشغيلية الزائدة للبعثات.
بلغ معدل إنفاق بعض السفارات العراقية سنويًا أكثر من 3.5 مليون دولار للسفارة الواحدة، في دول لا تربط العراق بها سوى علاقات شكلية.
الدبلوماسية كصفقة سياسية
تشير تسريبات من داخل البرلمان إلى أن تمرير هذه القائمة يتطلب موافقة مجلس النواب بعد مصادقة مجلس الوزراء، الأمر الذي يدفع الكتل إلى ما يشبه "تخادم المصالح": كل حزب يمرّر أبناءه مقابل السكوت عن ترشيحات الآخرين. والنتيجة؟ سفارات تُدار بعقلية عشائرية وولاءات سياسية، لا بمهنية دولية.
نداء إلى من بقي فيه ضمير
لقد تم سحق الكفاءات، وخنق المهنية، واستبدلت "الكاريزما الدبلوماسية" بالمحاباة والمجاملات. أي مستقبل ينتظر دبلوماسية عراقية يمثلها من لا يعرف لغتين، ولا يجيد الحديث عن تاريخ بلده، ولا يحترم موقعه كممثل لدولة تُصارع الفساد والفقر والحروب؟
نقول لمن بيده القرار:
"أنصفوا من ظلموا، لا لذنب سوى أنهم لم يكونوا جزءًا من منظومة التملق الحزبي."
وأعيدوا للوطن شيئًا من كرامته، قبل أن تتحول سفاراته إلى مجرد مكاتب سفر لعوائل السلطة وأبواق أحزابها.