العراق... حين نُضيّع البيت الكبير ونبحث عن خلاص




بقلم:  الكاتب والخبير السياسي 

حسن درباش العامري


أيها الإخوة...

العراق ليس مجرد حدود على خارطة، ولا مجموعة قوميات وطوائف... العراق بيتنا الكبير، وتاريخنا المشترك، وجذورنا الضاربة في أعماق هذه الأرض الطيبة.


يتذكر آباؤنا زمناً كان فيه العراقيون إخوة بالفعل لا بالقول، كانت الألفة والمحبة والغيرة على العرض تربط الجميع. في المحلة، كان الشاب يغار على بنات جيرانه كما لو كنّ شقيقاته. لم تكن تُطرح أسئلة عن المذهب أو الدين أو الطائفة، فالكل كان عراقيًّا قبل أي انتماء آخر. جلسات المقاهي، والـ"حوش" الذي يجمع عوائل مسلمة ومسيحية وصابئية، كانت مرآةً لتلك الروح الأصيلة.


كنا فقراء بالمال، نعم، لكننا كنا أغنياء بالأخلاق، بالمحبة، بالشعور الجمعي بالانتماء.

كانت بغداد... بغدادُ الجميع، وكان الجلوس على شواطئ دجلة عند الغروب يُشعر القلب بالسكينة، ويملأ الروح حنيناً لهذا الوطن.


لكن تلك الألفة تكسّرت...

جاءت سنوات الشقاء، سنوات الدماء والخوف، بفعل خارجي خبيث، وبتسهيل داخلي أخطر، فاختلطت دماء الأبرياء بمشاريع الطائفية الموجهة، وغُرّر بالجيل الجديد، فضيّع الأمانة وفقد كثيراً من القيم والمبادئ التي نشأنا عليها.


صرنا نُقسّم أنفسنا بلا سبب: هذا سني، وذاك شيعي، هنا مسلم، وهناك مسيحي... وشيئاً فشيئاً ضاقت علينا الأرض، حتى أصبحت بغداد الحبيبة تضيق بأهلها الجدد الذين لا يعرفونها، ولا تعرفهم!


ثم جاءت أمريكا بحجّة "التخلّص من الديكتاتورية"، فبدّلتها بـ"ديمقراطية مشؤومة"، وجلبت معها أحزاباً فاسدة ووجوهًا لا علاقة لها بالعراق ولا بالعراقيين. فاستمر القهر، وازدادت السرقة، حتى صرنا نتحدث عن "سرقات بمليارات الدولارات" تحت عناوين قانونية وغطاء ديمقراطي زائف!


بل الأسوأ من ذلك، أن البعض بدأ يختبئ خلف عناوين دينية أو اجتماعية أو مذهبية، ليستغل قدسيتها لتحقيق مكاسب شخصية. فاختبأ بعضهم تحت أسماء مراجع سابقين عظام، أو استظل بظل عشائرٍ محترمة ذات سمعة طيبة، ليُمرر فساده باسم الدين أو العشيرة، ما دام هذا الاسم كافياً ليوفّر له الحصانة والغطاء.

وهكذا... تسلّل الفساد مغلفاً بالقداسة، وبات له صوت، وراية، وعنوان.



---


اليوم... وفي ظل واقع خانق، ها نحن نقف على أعتاب فرصة جديدة للتغيير، فرصة رغم ضعفها تبقى الوسيلة السلمية الوحيدة التي يمكن بها أن نُغيّر، أن نُصحّح، أن نُعيد الأمور إلى نصابها.


🔹 فهل نعجز – ونحن شعب العراق – عن اختيار الأصلح، وترك الفاسدين والسراق؟

🔹 هل سنعيد إنتاج ذات الوجوه التي باعت المياه الإقليمية، وتنازلت عن الأراضي، وفرّطت بثروات النفط لأجل المال الحرام؟


الجواب عندكم، أيها الأحرار.


لقد عرفنا الشرفاء... أولئك الذين طالبوا بحقوق العراق، ودفعوا ثمناً غالياً من أجل كلمة حق. فلنكن أوفياء لهم... ولنمنحهم فرصة ليعيدوا لنا ما سُرق منا.


أمثال:

ياسر الحسيني، أمير المعموري، جمال الحلبوسي، هادي السلامي، وائل عبد اللطيف، عامر عبد الجبار، رائد المالكي... وغيرهم من الوطنيين.


هم ليسوا كاملين، لكنهم بين قلةٍ حافظت على شرفها في زمن غلب عليه الانحدار.


فلنمنحهم صوتنا... فربما كان ذلك بداية الخلاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم