«دعبوليات الخارمين»
|إيـــاد الإمـــارة|
في هذا الزمن العجيب، باتت الساحات تعجّ بنوع فريد من الأبطال:
لا هُـم: أبطال فكر ولا ميدان، بل هُـم: أبطال “الصرخة”!
يصرخون في كل واد، يلوّحون بالأيدي، تتطاير كلماتهم كأوراق خريف مهملة، وكلما سألتهم:
ما القضية؟
ردّوا بثقة الجاهل: نحن ضد كل شيء!
إنهم حفنة من المدّعين ..
لا يملكون لا رؤية ولا موقف ..
لكنهم يعوضون ذلك بالصراخ العالي والتنظير العشوائي ..
يلعنون الواقع، يشتمون كل مشروع، يتحدثون عن المؤامرات وهُـم أولى ضحايا الجهل لا المؤامرة ..
يعادون المقاومة، يهاجمون الثابتين، ثم يتسللون إلى هواتفهم الذكية ليغردوا ضد “الظلامية” من داخل مقاهي الإنستغرام والفلاتر!
يدّعون الوطنية وهُـم لم يحفظوا حتى اسم نهرين من أنهار وطنهم ..
يتحدثون عن “الكرامة” وهُـم قد باعوها على أول منبر وهمي يقدّم لهم “لايكات” أكثر ..
يسخرون من المجاهدين لأنهم لم يجربوا سوى جهاد الكيبورد، ويتهمون الشرفاء بالتبعية لأنهم عبيد ترند فارغ لا يملكون حتى مواقفهم الخاصة.
هُـم أبناء الفراغ، ورثة
“التقليد الأعمى”
يحسبون أنفسهم مثقفين لأنهم حفظوا ثلاث جمل من تويتر وأعادوا تدويرها خمس مرات ..
يقول لك أحدهم بفخر:
“أنا لا أنتمي لأحد!”
والحقيقة أنه لا ينتمي حتى لنفسه!
إنهم جوقة صاخبة، بلا نغم، بلا وعي، بلا اتجاه ..
ولو أطفأت عنهم أضواء الفيسبوك والانستغرام، لذابوا كما يذوب السكر في فنجان شاي بارد.
ولعل أعجب ما فيهم أنهم كلما نُـصِـر الحق، صاحوا:
“مؤامرة!”
وكلما صمد أهل المبدأ، قالوا:
“تمثيلية!”
وكلما انكشف زيفهم، صرخوا:
“حرية رأي!”
باختصار: هؤلاء لا يعرفون من الحياة إلا صوت صراخهم، ولا من الفكر إلا فراغ رؤوسهم، ولا من الوطنية إلا ما يُـقال في ساعة ملل على “ستوري”!