🖋️ قاسم سلمان العبودي
في مسار التاريخ الحديث، قلة هم الذين استطاعوا أن يبدّلوا وجه الجغرافيا السياسية، ويمنحوا الإنسان المستضعف بوصلة حقيقية للكرامة والحرية. ومن نعم الله تعالى على البشرية أن بزغ من مدينة قم المقدسة رجل لم يكن عابراً في الزمن، بل حاملاً لرسالة خالدة تحت راية التوحيد: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعلي ولي الله”. إنه الإمام الخميني، رضوان الله تعالى عليه، الذي أضاء بنوره ظلمات الاستعباد والاستكبار.
من يتأمل في سيرة الإمام الخميني، منذ نعومة أظفاره وحتى لحظة رحيله، يدرك أن حياته لم تكن سوى امتداد حيّ لكربلاء الخالدة، وتجسيداً عملياً لثورة الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء عام 62 هـ. لقد تحوّلت دروسه ومجالسه إلى ورش وعي سياسي وفكري، تنفذ إلى أعماق قلوب تلامذته الذين منحهم الله نور البصيرة، فكانوا حملة لمشروعه الحضاري والإيماني.
ورغم القمع الدموي الذي مارسه النظام الشاهنشاهي، لم ينثنِ الإمام عن طريق العلم والمقاومة؛ فظل طالباً وأستاذاً ومفكراً، وقامة نادرة في مضمار التأليف والتنظير الإسلامي. كان يرى ما لا يراه غيره. ففي وقت كان الشاه في أوج جبروته، كانت بصيرة الإمام تنفذ إلى ما بعد سقوط ذلك النظام، وكانت فلسطين ـ رغم بعدها الجغرافي ـ في قلب عقله وروحه.
لقد وُصف الإمام الخميني في بداياته بأنه صاحب أطروحات خيالية، وأن خططه لأسقاط نظام الشاه العميل وفناء الكيان الصهيوني وأفول الاستكبار الأميركي نوع من الحلم أو التهويم السياسي. غير أن الزمان، كعادته، أنصف الرؤى الكبرى، وأثبت أن مشروع الإمام لم يكن سوى قراءة صادقة لتاريخ قادم.
لقد أسّس الإمام الخميني بوضوح للمحور المقاوم، ونجح في أن يجعل من قضية فلسطين جوهر مشروعه، وذروة فلسفته الإسلامية. فكانت كلماته وقوداً لنهضة الشعوب المستضعفة، وصوته هادراً في وجه الإمبريالية. لم يكن يخشى في الله لومة لائم، ولا يعرف للانكسار سبيلاً. لقد أعاد رسم خريطة الإرادة في عالمٍ كانت فيه أمريكا والغرب هم المعادلة الوحيدة.
واليوم، حين نرى الانتصارات المتلاحقة التي تحققها قوى المقاومة في أكثر من ساحة، ندرك أن جذورها تنبض من فكر هذا الرجل. إنها ثمرة إخلاصه لله، وصدق رؤيته، وعظمة مشروعه الذي جعل من فلسطين ـ بحق ـ بوصلة الأحرار، والخط الفاصل بين من يعيش لله، ومن يُسلم روحه لجبروت الطغيان .