نساء الشواطيء !

حسين الذكر

يعد الاديب الثائر اريك ابسن من اهم ابداعات العقل البشري الذي قاد الفكر المتحرر المنطلق في اوربا منذ القرن السادس عشر تقريبا .. ابسن الذي كرس اغلب حياته للدفاع عن حرية الانسان عامة والمرأة خاصة وضرورة الاهتمام ببناء كيانها وتدعيم شخصيتها للنهوض بممارسة حريتها بعد ان كانت لعبة بيد الرجل والمؤسسات التي تنظر اليها على انها مجرد وعاء لأدامة التناسل والامتاع الجنسي .. وقد الف ابسن عام 1870 كتاب ( دمية البيت ) التي هزت اوربا هزا وفتحت افاق الحرية الحقيقية من أوسع أبوابها .. اذ ان ( البطلة الابسنية نورا ) ضحت بكل شيء من اجل بناء شخصيتها والتعرف على مدى قدرتها لممارسة حياتها وتطوير آليتها وإيجاد جوهر الخلق فيها الذي نبذت فيه كل القيود التي تحبسها وتحد من حرية تفكيرها كي تتخلص من تلك الربقة والنظرة الشهوانية والاستعباد البشع والاستغلال المقيت ..

يقول سلامة موسى المفكر العربي المصري الشهير انه انبهر بما شاهده من فارق حضاري بين ما كانت عليه المرأة المصرية كعينة عربية وما تتمتع وبدت عليه المرأة الغربية .. كان ذلك قبل قرن تقريبا حينما ترك بلاد العرب الغارقة بالخرافات والامية والجهل والفقر والمرض والتخلف وما خلفته الحكومات المتعاقبة من ترسيخ لعادات وخرافات بالية همها منع حرية التفكر حيث أراد الله جل وعلا للإنسان ان يكون حرا فيها حد استنطاق الوعي فيه ..

كتب موسى : ( انه اصطاف على شواطيء الإسكندرية وسمع احاديث النساء وما كان يدور بينهن في اغلب الأوقات من عجائب سوالف تخص البيت والصالون والاكسسوارت والتقليد والغريزة والقلادة ... وملابس فلانة وطول زوجة علان وقصر الأخرى .. حتى اشمأزت نفسي من القيود التي حدت بالمرأة العربية عن اداء دورها القيادي الخلاق بنهضة المجتمع ) .

كان ذاك في زمن الاحتلال المباشر الذي اتضح انه اهون خطرا من الاحتلال غير المباشر الذي تعانيه شعوبنا .. بعد قرن من معاناة سلامة موسى مع التخلص النظري من ربقة الاستعمار وانفتاح السفر وفسحت اتساع مساحة الاختلاط وانتشار تقنيات التواصل بالقرية العالمية دعونا نرى ماذا يتحدث ويحدث للمواطن العربي.. استعرضوا حققوا فكروا وتفكروا كما أراد الله لكم .. ( كم مختبر علمي وكم مكتبة عامة وكم جريدة تباع يوميا وكم كتاب يطبع .. كم نسبة القراء في امة (أقرا ) .. قارنوا مع تعميم ثقافة المولات والكازينوهات والاركيلات والملاعب والملاهي والمخدرات العلنية وغيرها من مؤسسات التخدير الاشنع التي تصب وتصنع وتنشر عقليات بعيدة كل البعد عن تحرر الانسان وبناء شخصيته الحقيقية .. لاحظوا تلك الشرطية الفرنسية التي كانت تصرخ وتبكي كي تمنع المتظاهرين من حرق مؤسسات الدولة وبين الكثير ممن يتدافعون ويتسابقون على الشواطيء والبلاجات والكورنيشات والمطاعم والمولات ممن يعتاشون على اللايكات والدردشات .. ممن نسوا القراءة والكتابة كسبيل وحيد للوعي والثقافة .. فيما انشغلوا بمظاهر ترف وزخرف صار رمز وقمة للطموح عندهم .. في وقت غدا التفكر والعلم والعمل من موبقات الفرنج لحرفنا عن عقيدتنا .. وللغرب في صناعة ثقافتنا وتهجين فكرنا .. شؤون وشجون !

إرسال تعليق

أحدث أقدم