حسين الذكر
مع ان الاخ المحاضر عدد من الاسباب ما يكفي لتسمية المتصوفة الا انه لم يتطرق الى ان علي بن ابي طالب هو اول المتصوفين اذ ارتدى البرقعة ( خرقة من الصوف ) صيفا وشتاء لم ينزعها حتى في المسجد وفي المعارك وعلى كرسي حكم الدولة الاسلامية في اشارة على زهد المتصوفة وتاسيهم بحال فقراء وضعفاء الامة لاجل بناء مجتمع مستقر آمن متحضر لا لاغراض طقوسية مجردة فالدين جد وعمل واستقامة ..
من الاشياء الجميلة التي تتجلى في جمعة المتنبي تلك الاصبوحات في قاعة علي الوردي التي يقيمها البيت الثقافي البغدادي ويديرها الاستاذ علاء بهدوء وتان .. كانت جمعتنا الاخيرة مخصصة عن الادب الصوفي القاها الاستاذ طه الازدي الذي كان متمكننا فالمام الصوفية واسمعنا الكثير عنها لكنه لم يتطرق الى الادب الصوفي الذي كان عنوان محاضرته التي تعدت (35 ) دقيقة .
طلبت بصورة فيها شيء من الجرأة ان يختصر.. فرد قائلا : ( ان الصوفية تحتاج الى عشرات المجلدات لشرحها ) فقلت له : ( نحن هنا لا للدراسة والتخرج في الصوفية فذلك شيء محال بل نسمع ايجاز لتكوين ثقافة عامة عن الصوفية ) .
في المداخلات كنت متوثب للادلاء بمداخلتي فقلت :( ان الصوفية احدى الحركات القديمة جدا وقد ظهرت في الاسلام – تقريبا - تعني الزهد والاعتزال والتمسك بالطقوس كطريق لمعرفة الله بعيدا عن ازمات المجتمع .علما ان الاسلام دين اجتماعي يهتم بشؤون الانسان اكثر من الطقوس ( ان الله غني عن العباد ) .. وعزز ذلك نبينا محمد ص قائلا ( المسلم من سلم الناس بيده ولسانه ) في دليل على الاهتمام بسلامة المجتمع قبل اي (متدينات) آخرى .. والحلاج لم يقتل كونه صوفيا بل كانت محاكمته سياسية وقد اتهم بالكفر لانه افتى ( بمن يطعم ستون يتيما وفقيرا من ابناء المسلمين مع كسوتهم وتعليمهم افضل عند الله من الذهاب للحج ) . هذه التهمة الحقيقية التي اعدم وقطعت اوصاله لاجلها .. كما هو ظاهر فانها تهمة تعد من اخطر دلالات الايمان العملي واهم موجبات الاسلام .. والا فان بعض المتصوفة قال اخطر من قول الحلاج :( افتح جبتي فارى الله فيها ) ولم يسائل ويحاسب كونه مقرب من السلطة ويتمتع بامتيازاتها..
ثم اضفت : ( ان اتهام الحلاج بالتقرمط تسويغ وتسويق مسبق للخلاص من مبادئه الاجتماعية .. كما ان نسب الحلاج والحلاجية الى القرامطة تبرير لجريمة قتل الفيلسوف الثائر الذي حاول الاصلاح عبر فلسفة اسلامية صريحة تقدس الانسان والمجتمع وتقدمه على كل شيء سواه ) .
في ملاحظة لطالما كررتها للاخوة المسؤولين عن التجمعات والمراكز الثقافية ان لا يكون المحاضر ( متاكدما ) اي عليه ان يهيأ مادته ويوجزها بكثافة ودقة تدل على مكنته وحرفته فان رواد المراكز الثقافية ليس طلابا في الاكاديمية .. ربع ساعة تكفي لذلك لغرض اتاحت الجزء الاكبر للمداخلات ثم يختم المحاضر بايجاز وردود واجابات عامة .. فالملل غير مزاج المجتمع في ظل التواصل والازمات والاجندات وقلت الخدمات وضيق هامش الحرية المفقودة في عالمنا العربي تحت كل المسميات ( ملكية او جمهورية نظاما رئاسيا او برلمانيا ) . هنا تكمن لوعة حلاجية اخرى تحتاج الى اعادة الطرح وانتقاء المطروح للبحث عن افضل السبل واقبلها لطرح مادته كثقافة معرفية لا سبيل سواها لرقي المجتمعات .