ديمقراطية عرجاء ونقابات مشلولة



بقلم: عامر جاسم العيداني


في العراق لا تزال الديمقراطية تُمارَس بوجه مشوَّه وأطراف مبتورة ، فكلما حاول المواطن أن يخطو خطوة نحو تمثيل حقيقي تعيده منظومة المحاصصة القسرية إلى المربع الأول وإذا كانت الأحزاب السياسية هي المتهم الأول في شل الحياة السياسية فإن بعض النقابات التي يُفترض بها أن تكون حواضن للممارسة الديمقراطية تحوّلت إلى بؤر للديكتاتورية الصغيرة يقودها أشخاص صعدوا عبر الولاءات السياسية لا عبر الكفاءة أو الانتخابات الحرة.

أين تتجلى الديمقراطية حين تُدار نقابات مهنية يفترض أن تعبّر عن نخب المجتمع بعقلية الفرد الواحد والرأي الأوحد؟ كيف يمكن قبول أن تبقى بعض هذه النقابات لعقود تحت سيطرة نفس الأسماء بلا تداول للسلطة وبلا انتخابات نزيهة بل وبلا احترام حتى للقوانين والأنظمة الداخلية التي تحكمها؟

بعض النقابات ألغت نظامها الداخلي تمامًا وأصبحت تُدار بمزاجية رؤسائها وهناك من عطّل إجراء انتخابات الفروع وتجاوز المدد القانونية مجاملةً للرؤساء وتكريسًا لنفوذهم السياسي وتحضيرًا لكسب الأصوات في انتخابات رئاسية لاحقة ، الأسوأ من ذلك أن بعض الرؤساء يتحدّون علنًا أعضاء نقاباتهم ويصل بهم الأمر إلى التهديد بسحب الهوية النقابية أو إلغاء العضوية لمجرد المطالبة بحق قانوني هو إجراء الانتخابات!

إنها نقابات لم تعد تدافع عن حقوق أعضائها بل تحتمي بسلطة المتنفذين وتُوظّف لصالح مناورات الكراسي والتحالفات حتى أصبحت أدوات لتكميم الأفواه داخل المؤسسات بدلًا من أن تكون منابر حرة تعبر عن إرادة المهنيين.

ما يحصل ليس خللًا إداريًا فحسب بل انحراف أخلاقي ومهني صارخ وجريمة وطنية بحق مفهوم الديمقراطية ذاته فحين تُختطف النقابات من الداخل وتُهيمن عليها مصالح حزبية وشخصية فإنها تتحول إلى ديكور باهت لنظام مشوّه لا يؤمن بالحريات ولا بالتعددية ولا بالتداول السلمي للسلطة.

فأين القانون من كل هذا؟

أين هي الرقابة الإدارية والمالية والقضائية؟

أم أن الديمقراطية في العراق لا تُستحضر إلا حين تخدم مصالح معينة ثم تُوضع جانبًا متى ما أصبحت تهديدًا لمواقع النفوذ؟

إن ترك النقابات أسيرة لقوى المحاصصة هو خيانة مضاعفة ، خيانة لفكرة الديمقراطية وخيانة للمهن التي يفترض بالنقابات أن تمثلها ولن تُبنى دولة مدنية حقيقية طالما أن منابر التعبير المهني والشعبي تُدار من غرف مغلقة بعيدًا عن أعين الشفافية والمساءلة.

لقد آن الأوان لإصلاح شامل يبدأ من القواعد لا من القمم ،

آن الأوان لتطهير النقابات من الفساد والهيمنة وتعديل قوانينها بما يضمن دورية الانتخابات وتكافؤ فرص الترشيح والرقابة القضائية على سير العمل داخلها.

فمن دون نقابات حرة ومستقلة لن تكون هناك ديمقراطية حقيقية وستظل "المشاركة" مجرد شعار يُرفع عند الحاجة ويُسقط عند أول تهديد لمصالح النخبة الحاكمة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم