*التدخل الأمريكي في قانون الحشد الشعبي: تهديد للسيادة أم إعلان وصاية؟*




ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي

في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تحديات جيوسياسية وأمنية اقليمية ودولية، يبرز ملف قانون الحشد الشعبي وسلاحه كأحد المحاور الأساسية التي ترسم ملامح مستقبل الدولة العراقية واستقرارها. في خضم هذا السجال الحاسم، تكشفت مؤشرات خطيرة عن طبيعة التدخل الأمريكي المباشر في القرار العراقي، والذي بلغ مستوى غير مسبوق من الضغوط والتهديدات الصريحة على مؤسسات الدولة الدستورية، وعلى وجه الخصوص البرلمان الذي يمثل إرادة الشعب العراقي.

جولة نائب السفير الأمريكي على الرئاسات والقيادات العراقية، وتحذيره الصريح لهم بأن "إذا مضيتم بالقانون سأعاقبكم"، ليست مجرد رسالة دبلوماسية أو ملاحظة عابرة، بل هي إعلان واضح عن تجاوز للحدود الوطنية، واعتداء صريح على السيادة التشريعية، بل محاولة صريحة لفرض إرادة خارجية على تشريع وطني يتصل بأمن العراق واستقراره.

هذه الوقائع تكشف عن تحوّل خطير في السياسة الأمريكية تجاه العراق، إذ لم تعد واشنطن تكتفي بالضغط الخفي أو التلميحات الدبلوماسية المعتادة، بل انتقلت إلى مرحلة الابتزاز والتهديد العلني، متخذة من المسؤولين العراقيين قنوات مباشرة لتوزيع الإنذارات الصريحة، وكأنها الوصي الفعلي على القرار الوطني.

في هذا السياق، تتجلى أزمة ثقة عميقة بين الشعب وقياداته، إذ يغيب الشفافية والإفصاح عن طبيعة هذه الضغوط أمام الرأي العام، ويحل محلها بيانات رسمية ملتبسة تتحدث عن "بحث العلاقات الثنائية" أو "تعزيز التعاون الأمني"، مما يساهم في تعميق فجوة التباعد بين المواطن وقادته، ويضعف من قدرة العراق على بناء موقف وطني موحد في مواجهة التدخلات الخارجية.

إن قانون الحشد الشعبي وسلاحه ليسا مجرد موضوع تنظيمي أو أمني داخلي، بل هما عنصر استراتيجي أساسي في معادلة الأمن الوطني والتوازنات السياسية داخل العراق. فالحشد الشعبي يمثل قوة ردع حقيقية في وجه التنظيمات الإرهابية والمشاريع الإقليمية التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وتقسيمه، وهو ما يجعل من استهدافه عبر قانون أو ضغوط سياسية، هدفاً مركزياً في مخطط إعادة رسم الخارطة الأمنية والسياسية بما يخدم مصالح القوى الأجنبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

التهديد الأمريكي لقانون الحشد هو إذن جزء من مشروع شامل لتفكيك قدرات العراق على اتخاذ قراراته المستقلة، واختبار مدى قدرة المؤسسات التشريعية على الصمود أمام الإملاءات الخارجية، وهذا يمثل اختباراً حقيقياً لسيادة الدولة العراقية.

في مواجهة هذا التحدي، لا مجال للصمت أو المراوحة بين بيانات خجولة ومواقف مغلفة بالغموض. إن المواجهة العلنية الواضحة، والتمسك بالقرار الوطني المستقل، مع فتح نقاش شفاف ومسؤول داخل المجتمع العراقي، هما السبيل الوحيد لترسيخ الاستقلال السياسي والحفاظ على وحدة وسيادة العراق.

الأمر يتجاوز قانون الحشد ليكون معركة على روح العراق ومستقبله، معركة بين من يريد للعراق أن يكون ساحة نفوذ وتبعيات، ومن يؤمن بأن العراق يستحق أن يكون دولة ذات قرار مستقل، تحمي شعبها وترسم مصيرها بيد أبنائها.


*لماذا الحشد الشعبي؟*


لأن الحشد الشعبي هو الدرع الذي أسقط مؤامرات داعش، وهو القوة التي وقفت في وجه المخطط الأمريكي – الصهيوني لتقسيم العراق وتحويله إلى كانتونات ضعيفة. واشنطن تعلم أن وجود الحشد وسلاحه يعني أن العراق يملك ذراعاً ضاربة تمنع أي مغامرة عسكرية أو انقلاب سياسي تُدبّر في السفارات والغرف المغلقة.

ولذلك فإنهم يريدون تحييده، إضعافه، أو تفكيكه وتجريد سلاحه عبر القانون. ليس حباً في الديمقراطية ولا حرصاً على الدولة، بل لأنهم يعلمون أن بقاء الحشد منظماً ومسلحاً هو حجر عثرة أمام مشاريعهم في العراق والمنطقة.

المؤلم أن كثيراً من القيادات العراقية التي التقت المبعوث الأمريكي تواطأت بالصمت. لم يخبروا الشعب بما قيل، ولم يواجهوا التهديد علناً، بل خرجوا ببيانات باردة عن "بحث العلاقات الثنائية" و"التعاون الأمني". أي تعاون هذا حين يكون الثمن هو خضوع البرلمان لإملاءات أجنبية؟!

الصمت في هذه اللحظة ليس حياداً، بل تواطؤ وخيانة لثقة الشعب. إذا كنتم عاجزين عن مواجهة التهديد، فأعلنوا ذلك للشعب ليعرف من يقف معه ومن يساوم على سيادته.


*المطلوب الآن*


كشف الحقائق كاملة عن التهديد الأمريكي، وعدم التستر عليها.

رفض أي تعديل أو إلغاء للقانون إلا بما يخدم مصلحة العراق وليس إرضاء واشنطن.

تحشيد الشارع العراقي عامة والشيعي خاصة للوقوف بوجه أي تدخل خارجي في قرارات البرلمان.

تذكير الجميع أن السيادة لا تُباع ولا تُشترى، ومن يتنازل عنها لا مكان له في المشهد السياسي.


*المعركة معركة وطن*


إنها ليست مجرد معركة حول قانون الحشد الشعبي، بل صراع على هوية الوطن واستقلاله. فإذا رضخنا اليوم لإملاءات واشنطن في ما يقرره برلماننا، فسوف تملي علينا غداً شكل حكومتنا، وبعد غدٍ سترسم خرائط حدودنا من جديد.

الحشد الشعبي ليس مجرد تشكيل عسكري، بل رمز لرفض الوصاية الأجنبية، وتجسيد لإرادة العراقيين في الدفاع عن أرضهم وقرارهم. ومن يساوم عليه، إنما يساوم على سيادة العراق، ومن يفرط بالسيادة يفرط بدماء الشهداء الذين كتبوا تاريخ هذا الوطن بدمائهم الطاهرة.

إن التدخل الأمريكي في هذا الملف ليس حدثاً طارئاً أو موقفاً منفرداً، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من محاولات إعادة صياغة المشهد الأمني والسياسي بما يخدم مصالح واشنطن. غير أن خطورته تكمن في أنه يستهدف صميم السيادة التشريعية، ويضعنا أمام اختبار حقيقي: هل نستطيع اتخاذ قراراتنا بمعزل عن الإملاءات الخارجية؟

الصمت أمام هذا التهديد ليس خياراً، بل هو دعوة مفتوحة لمزيد من الضغوط والانتهاكات. أما المواجهة الصريحة والشفافة، فهي السبيل الوحيد لترسيخ استقلال القرار العراقي، وحماية حقنا في أن نكون سادة أرضنا ومالكي مستقبلنا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم