التطبيق المعيب للقانون يرفع قيد المساءلة والعدالة عن البعثيين ويمهد الطريق لهم للترشح في قائمة السفراء



قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) الأحزاب 70-71


قائمة السفراء التي يراد التصويت عليها من قبل مجلس النواب العراقي، انما هي تضم في حقيقتها بعض الاشخاص الذين كانوا يعملون لدى حزب البعث الاشتراكي المنحل بدرجة عضو عامل فما فوق، بيد ان التفسير الخاطئ للقانون من قبل محكمة التمييز مهد الطريق لهم للترشح برفع قيد المساءلة والعدالة عنهم. 


اذ اصدرت محكمة التمييز في الآونة الأخيرة، مجموعة قرارات، قضت بعدم شمولية أصحابها بقانون هيئة المساءلة والعدالة، على الرغم من ثبوت انتماءهم لحزب البعث المنحل بالبينة وبالإقرار الصادر عنهم ورغم تأكيد هيئة المساءلة والعدالة على انتماءاتهم البعثية وعلى انتماء البعض منهم للأجهزة الأمنية القمعية أبان النظام الصدامي البائد.


ومنها قرار محكمة التمييز ذي العدد ٢٤٧/تمييزية مساءلة وعدالة / ٢٠٢٤ بتاريخ ٤/٩/٢٠٢٤ وقرار ذي العدد ٢٥٦/ تمييزية مساءلة وعدالة / ٢٠٢٤ بتاريخ ١٨ /٩/٢٠٢٤ وقرارات كثر على شاكلتها.


استندت محكمة التمييز في قراراتها على عبارة (الإثراء على حساب المال العام) الذي جاء في سياق نص المادة ٦/ ثامناً من قانون هيئة المساءلة والعدالة رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٨ والتي جاء نصها الآتي: (يمنع من إشغال وظائف الدرجات الخاصة [مدير عام أو ما يعادلها فما فوق ومدراء الوحدات الإدارية] كل ما كان بدرجة عضو فما فوق في صفوف حزب البعث وأثرى على حساب المال العام). 



 إذ اشترطت محكمة التمييز في قراراتها، أن يثبت (الإثراء) بحكم قضائي، مكتسب للدرجة القطعية أي بعبارة ثانية. لا يكف، إثبات انتماء المرشح لدرجة سفير بشهادته او بإقراره او بالأدلة القانونية الثبوتية الأخرى انتمائه لحزب البعث المنحل، لشموله بأحكام قانون المساءلة والعدالة، وإنما اشترطت فوق ذلك ثبوت إثراءه من المال العام بحكم قضائي بات وقطعي.  


حيث لا يكف اثبات اثراءه من المال العام بالإقرار او الشهادة او الأدلة الثبوتية الأخرى وان كانت كتابية او حتى رسمية صادرة من جهاتٍ مسؤولة كدائرة التسجيل العقاري او دائرة البعثات اوما شابه ذلك بل اشترطت محكمة التمييز صدور حكم قضائي قطعي ونهائي يشير الى اثراء المشمول بقانون المساءلة والعدالة ماديا ابان النظام الصدامي البائد لكي يصار الى شموله بقانون المساءلة والعدالة وتطبيق النص 6\ثامنا اعلاه.



ومنه يفهم ان محكمة التمييز، قد جعلت الأصل، هو عدم اثراء العضو المنتمي لحزب البعث ابان النظام البائد وعدم تحقيقه لأية امتيازات او مكاسب مادية او معنوية حتى يثبت عكس ذلك بحكم قضائي نهائي وقطعي وهذا في الحقيقة (تزيد على النص القانوني يصعب تحقيقه) اذ كيف يمكن اصدار هذا الحكم الذي يخالف الواقع الذي عاشه العراقيون ابان النظام البائد، وكان البعثيون فيه أصحاب السلطة والامتيازات والثراء والمال آنذاك؟!  


حسب تصورنا، أن محكمة التمييز قد بالغت في تفسير المادة ٦/ثامناً من قانون هيئة المساءلة والعدالة، بل خرجت عن النص القانوني باشتراطها، للحكم القضائي المكتسب للدرجة القطعية لثبوت الأثراء، مما فسح المجال لعودة البعثيين لمناصب مهمة في الدولة العراقية. والسؤال الأهم هنا، هل ايقنت الحكومة العراقية والجهات المسؤولة، مدى خطورة هذه القرارات الصادرة عن محكمة التمييز؟ وما ينجم عنها في المستقبل القريب من عودة لحزب يسعى لإرجاع السلطة بيده وبشكلٍ تدريجي وبشتى الوسائل والطرق؟

نعتقد أن الدولة العراقية مازالت زاخرة بالشخصيات النزيهة، الوطنية، الكفوءة، التي لابد من يفسح لها المجال لإخذ نصيبها العادل من هذه المناصب والمراكز المهمة في الدولة، مما يستدعي ذلك إعادة النظر وبشكل سريع ودقيق بقائمة السفراء التي شملت مجموعة من الشخصيات ممن ثبت انتماءاتهم لحزب البعث المنحل وممن حصلوا على قرارات صادرة عن محكمة التمييز بعدم شمولهم بقانون هيئة المساءلة والعدالة.

من كل ما تقدم، ندعو الشرفاء في مجلس النواب العراقي، بالعمل على وقف قائمة السفراء وإعادة النظر فيها، من خلال اختيار شخصيات مهمة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والوطنية، لهم سير ذاتية مشرفة، حسني السيرة والسلوك ممن تولوا العمل بوزارة الخارجية بعد عام 2003 لانهم هم حقيقة من يعبروا عن نهج وأفكار ومبادئ العراق الجديد، عراق ما بعد 2003.

 د. راقية الخزعلي

إرسال تعليق

أحدث أقدم