د. راقية الخزعلي
قال تعالى: ((وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)) البقرة،٢٠٥
شهدت محافظة واسط مساء الأربعاء، فاجعة مروعة اثر اندلاع حريق هائل في (هايبر ماركت) موديا بحياة ٦١ شخصا ومخلفا ١١ مفقودا وعشرات المصابين بحروق بليغة يرقدون في المشفى للعلاج.
احداث مأساوية تكشف مدى حجم اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية كما تكشف حجم الفساد في الإجازات الممنوحة للمستثمرين من دون توافر أدنى وسائل الوقاية والسلامة والمتانة في أجهزة الدفاع المدني والإنقاذ.
لا شك ان هنالك تقصيرا واضحا من الجهات التي منحت إجازة بناء الماركت و من بينها البلدية التي كان من المفترض ان تضمن توفر وسائل السلامة الكاملة قبل السماح بذلك.
اثير الجدل حول مسؤولية المحافظ عن حادث الحريق، فهل يعد المحافظ مسؤولا عن حادث الحريق وفقا للقانون العراقي؟ كما اندلعت مظاهرات تطالب بإقالة محافظ الكوت عن ذلك .
نجيب عن ذلك التساؤل بالقول: ان المحافظ يعد مسؤولا إداريا وسياسيا وقانونيا عن أوجه التقصير المتعلقة بالدفاع المدني والسلامة العامة، كونه رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة. وهو المتفرج لمدة ثلاث ساعات على الحادث من دون ان يحرك ساكنا. على اية حال يمكننا تفصيل المسؤولية القانونية وبالشكل التالي:
أولا: المسؤولية الإدارية:
يعد المحافظ وفق قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨ المعدل المادة ٢٤ منه (الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة) كما يعد المسؤول عن الاشراف عن الدوائر غير المرتبطة بوزارة كالدفاع المدني، الرقابة الصحية، ودائرة السلامة المهنية المادة (٣١) قانون المحافظات.
فاذا ثبت ان الحريق سببه كان عدم وجود سلالم ومخارج طوارئ وأجهزة انذار للحريق. ولعدم التزام صاحب الماركت لتعليمات السلامة، او منح تراخيص دون تدقيق شروط الدفاع المدني فان كل ذلك يدخل في نطاق الاخلال بالرقابة الإدارية، وهي مسؤولية المحافظ باعتباره مشرفا على الأجهزة الخدمية والأمنية.
ثانيا: المسؤولية الجنائية:
يعد المحافظ مسؤولا مسؤولية جنائية وفقا لقانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩، حيث يسائل وفقا للمادة ٣\٣٤٣ التي تقضي بالحبس نتيجة الإهمال او عدم الاحتراز او عدم مراعاة القوانين والأنظمة.
كما يسائل وفق المادة ٣\٤١١ منه إذا نجم عن الحريق وفاة لأكثر من شخص حيث تكون العقوبة مشددة تتراوح بين الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات.
يضاف الى هذا وذاك، انه إذا ثبت ان المحافظ قد علم بوجود خلل او خرق في اشتراطات السلامة ولم يتخذ الإجراءات اللازمة او غض النظر عن ذلك فيعد ذلك تقصيرا يرقى الى الإهمال الجنائي.
ثالثا: المسؤولية المدنية.
وهي المسؤولية التقصيرية التي تتحقق بتوافر أركانها (الخطأ، الضرر، والعلاقة السببية) المادة ١\١٨٦ من القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١، فالخطأ المتمثل بالإهمال الإداري او عدم اتباع الإجراءات الرسمية أدى الى الضرر المتمثل بوفاة عشرات المواطنين وهو ضرر مادي مباشر وملموس.
وبالرجوع الى المادة ٢١٩ من القانون المدني العراقي التي بينت مسؤولية الدولة والمحافظة عن تعويض ذوي الضحايا عن الضرر الذي اصابهم من جراء هذا الحادث تعويضا ماديا وادبيا.
يتبين لنا من كل ذلك مسؤولية المحافظ عن حريق الكوت مسؤولية إدارية وجنائية ومدنية مما يستدعي ذلك محاسبته من قبل مجلس المحافظة او مجلس النواب العراقي وفق المادة السابعة من قانون رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨ حيث تشير الفقرة ٢ من هذه المادة على الاتي: (لمجلس النواب اقالة المحافظ بالأغلبية المطلقة بناء على اقتراح رئيس الوزراء...) او بناء على تصويت مجلس المحافظة على اقالته.
إضافة الى تطبيق قانون انضباط موظفي الدولة بحقه حيث لا يقتصر سريانه على الموظفين العاديين بل يشمل أيضا القيادات التنفيذية عند التقصير في أداء واجباتها التنفيذية.
اختم مقالي هذا بمقولة لرئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني.. (ان حريق الكوت يجسد اعمال القتل المتعمد والفساد) واني لانتظر واراقب مثلي كمثل الملايين من أبناء الشعب العراقي ما هو الاجراء العادل الذي سيتخذه صاحب اعلى سلطة في الدولة لمعاقبة الفاعليين وللقضاء على الفساد.
والله من وراء القصد.