كلمة المسؤول.. سيف ذو حدين



بقلم/عامر جاسم العيداني 

في عالم السياسة والإدارة لا توجد كلمة أبسط وأخطر من كلمة المسؤول فهي تحمل في ظاهرها شرف المنصب لكنها في باطنها عبء ثقيل لا يرحم من لا يحسن التعامل معه. المسؤول هو الوجه الأول للنجاح والفشل وهو الشخص الذي يلاحقه السؤال الدائم: ماذا فعلت؟ ولماذا لم تفعل؟

هذه الكلمة تحمل دلالات عميقة إذ تعني أن صاحبها يتحمل كامل تبعات القرارات والأحداث حتى وإن لم يكن المنفذ المباشر لها ففي نظر الرأي العام هو من يتحمل النتيجة بينما قد يكون الفعل من صنع أجهزة أو أفراد تحت سلطته لذلك المنافسون السياسيون يجدون في هذه الكلمة سلاحًا فعالًا يوجهونه ضده عند كل أزمة حتى وإن لم يكن هو المسبب الحقيقي

من ناحية أخرى الجماهير لا تفرّق بين المسؤولية والصلاحية بالنسبة للمواطن وجود المسؤول على رأس هرم السلطة يعني أنه قادر على الإصلاح الفوري وحين يتأخر الحل يبدأ اللوم والانتقاد وربما السخط وهذا التداخل يضع المسؤول تحت ضغط متواصل ويتطلب منه وعيًا عميقًا بثقل كلماته وأفعاله.

أحد أكثر المواقف حساسية هو حديث المسؤول المباشر مع المواطن خاصة في أوقات الأزمات هنا تتحول الكلمات إلى مواقف رسمية ويصبح كل تصريح محسوبًا بدقة. الإساءة اللفظية من المواطن أو النقد الحاد ليست مبررًا لانفعال المسؤول بل هي اختبار لقدرة المنصب على احتواء الغضب وتحويله إلى فرصة للتوضيح وعليه أن يتحلى بضبط النفس مهما كان الاستفزاز وأن يرد بهدوء وموضوعية محولًا النقد إلى فرصة لتوضيح الحقائق دون الانزلاق إلى التهديد أو الوعود غير القابلة للتحقق.

فالمسؤول لا يتحدث باسمه الشخصي وكل كلمة منه تعبر عن المنصب الذي يشغله ويمكن أن تتحول لاحقًا إلى مادة لتقوية الثقة أو سلاح للهجوم عليه لذلك الحكمة في اختيار الكلمات لا تقل أهمية عن القرارات نفسها.

كما أن التعامل مع الأزمات يحتاج إلى الشفافية دون الوقوع في فخ التبرير أو إلقاء اللوم على الآخرين. فإقرار المسؤول بالمشكلة والعمل على حلها يعزز ثقة الناس به، بينما التهرب من المسؤولية يقوض هذه الثقة ويفتح المجال أمام خصومه لاستغلال الموقف ضده.


اليوم في عصر الإعلام المفتوح ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت كلمة المسؤول تنتشر في ثوانٍ وتصل إلى الملايين وقد تُقتطع من سياقها وتُستخدم ضده. 

لذلك لا بد أن يلتزم المسؤول بأخلاقيات المسؤولية أي أن يكون صادقًا وشفافًا ومتزنًا في تصريحاته مدركًا أن الجمهور لم يعد متلقيًا سلبيًا بل ناقدًا ومحللًا يملك منصة للتأثير والالتزام بهذه الأخلاقيات يحمي المسؤول من الانزلاق في دوامة الأزمات الإعلامية ويعزز ثقة الجمهور به.

في النهاية "كلمة المسؤول" سيف ذو حدين قد ترفع صاحبها إلى مصاف القادة إذا أحسن استخدامها فتكون دليلًا على قوة الموقف ورجاحة العقل وقد ترتد عليه بالسوء إذا استهان بوزنها وثقلها فتتحول إلى أداة للتسقيط والتشويه. 

النجاح في المسؤولية ليس مجرد اتخاذ قرارات، بل فن إدارة الكلمة أمام جمهور لا ينسى.

إرسال تعليق

أحدث أقدم