*الاستسلام النووي: 30 مليار عرض أمريكي أم فخ استراتيجي؟*




ناجي الغزي/ باحث سياسي واقتصادي

كشفت شبكة *CNN* الأمريكية، نقلاً عن أربعة مصادر مطلعة، عن تفاصيل ما وصفته بـ"جهود سرية لإدارة ترامب لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية"، عبر تقديم حوافز مالية ضخمة وشروط صارمة تمس جوهر السيادة النووية الإيرانية. التسريبات، التي نُشرت قبل أيام من إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، جاءت لتكشف ما يبدو أنه عرض استسلام أمريكي مغلف بمكافآت اقتصادية.


*اجتماع سري في البيت الأبيض... والوسطاء من الخليج*


الاجتماع الحاسم عُقد في البيت الأبيض قبل يوم من الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت إيرانية، بحضور *ستيف ويتكوف* ومجموعة من الوسطاء الخليجيين، يُقال إنهم من *قطر والسعودية والإمارات*. وتم خلال اللقاء مناقشة عرض أمريكي ثلاثي الأبعاد:

العرض وفقاً لتقارير نشرها الإعلام الأميركي، أبرزها تقرير لـCNN  في 26 يونيو 2025، فإن المقترح الأمريكي يتضمن:


1. *تمويل بقيمة 30 مليار دولار* لبناء محطات طاقة نووية مدنية داخل إيران، بتمويل خليجي وليس أميركي، لتفادي غضب الشارع الامريكي.

2. *إغلاق كامل لسلسلة التخصيب*، من المناجم في يَزد، إلى منشآت التحويل في أصفهان، فإلى التخصيب في نطنز وفوردو.

3. *الإفراج عن 6 مليارات دولار* من الأموال الإيرانية المجمدة التي تتجاوز من 100 - 120 مليار، بشروط صارمة، لاستخدامها في أغراض إنسانية.

4. *تخفيف محدود جداً لبعض العقوبات* الاقتصادية، دون رفع شامل أو استهداف للعقوبات المرتبطة بالنفط أو القطاع المالي.

إنه عرضٌ يُقدَّم وكأنّه من موقع القوّة، لكنه يُخبّئ خلفه اعترافاً ضمنياً بأن *الضربات العسكرية وحدها لا تُنهي المشروع النووي الإيراني*، وأن التفاوض لا يزال ضرورة، حتى بعد الدخان والنار.


*ضغط بلا صفقة*


العرض الأمريكي أقرب *إعلان نوايا* بنكهة استراتيجية، وليس اتفاقاً حقيقياً قابلاً للتنفيذ. كل طرف يدرك أن الآخر لن يقبل، لكن الهدف هو تحريك الأرض، وإرباك الحسابات، والضغط الجماهيري والإعلامي.


*بالنسبة لإيران*، العرض بلا ضمانات، بلا تحرر اقتصادي، ويستهدف عمق سيادتها. *وبالنسبة لدول الخليج*، الاستثمار في مفاعلات داخل إيران أشبه بالمشي في حقل ألغام، لا يضمن لا أمن، ولا عائد.

*أما واشنطن*، فهي تدير المشهد كمن يُمسك بخيوط متشابكة؛ تريد ردع إيران، تطمين إسرائيل، إرضاء الكونغرس، وتفادي حرب شاملة، لكنها في الوقت ذاته تُبقي الحرب على الطاولة، كخيار قابل للاستدعاء في أية لحظة.

*وهنا تكمن المفارقة: فالعرض ليس لإنهاء الأزمة، بل لإعادة هندستها على إيقاع جديد، حيث السلام ليس هدفاً، بل أداة في لعبة أكبر تُرسم على حدود النار*.


*الخليج يدفع، وواشنطن تراقب*


من المثير أن واشنطن لم تلتزم بدفع دولارٍ واحد في هذا العرض. بل *طلبت من حلفائها الخليجيين تحمّل الفاتورة. 30 مليار دولار* ليست رقماً عابراً، وهو لا يُطرح لمشروع تنموي في اليمن أو سوريا، بل في دولة تصنفها السعودية والإمارات خصماً استراتيجياً.

فهل يعقل أن تموّل الرياض أو أبو ظبي مفاعلات نووية داخل إيران، في الوقت الذي تضرب فيه إسرائيل المنشآت ذاتها في نطنز وفوردو؟! 

أين المنطق الأمني والسياسي؟ ولماذا تُعرِّض دول الخليج نفسها لاحتمالات استهداف إسرائيلي أو مساءلة شعبية داخلية؟

الحقيقة أن هذه النقطة تُظهر أحد أوجه المقترح كـ "غطاء دبلوماسي" أكثر منه خطة تنفيذية قابلة للحياة. فما من دولة خليجية حتى الآن أعلنت استعدادها الفعلي للتمويل، لا رسمياً ولا حتى عبر تسريبات دبلوماسية. هذا ليس عرض سلام، بل ضغط جماعي مدروس، توظف فيه واشنطن كل أدوات "الترهيب والترغيب" لدفع طهران نحو تخلي مؤلم.


*الدبلوماسية تحت القصف*


في ظل ولاية ترامب الثانية، لم تعد واشنطن تلجأ إلى الدبلوماسية التقليدية، بل تبني مفاوضاتها على منطق الإكراه المسبق:  *تفاوض تحت الحصار، تهدئة تحت القصف، وعروض مالية مشروطة بنزع السيادة*.

هنا يمكن فهم تصريحات ترامب التي قال فيها إن "الاتفاق ليس ضرورياً"، فهو يتصرف كمن يفاوض من موقع المنتصر، لا من موقع الشريك. ولعل السيناريو الأخطر هو أن يكون هذا المقترح مقدّمة لاجتياح دبلوماسي ناعم يتبعه هجوم استراتيجي شامل إذا رُفضت الشروط. في ضوء المعطيات الحالية، تبدو طهران أمام ثلاثة مسارات لا رابع لها:


1. القبول بالمقترح الأمريكي، ما يعني نهاية مشروعها النووي وردعها الإقليمي.

2. الرفض الكامل، ما يفتح باب المواجهة الواسعة، خاصة إذا أُثبت وجود منشآت جديدة.

3. المناورة بالخداع النووي، أي قبول جزئي مع استكمال التخصيب سرًا، وهو سيناريو محفوف بالخطر وقد يُشعل الحرب الكبرى.

وبينما تصر إيران على أن "الدبلوماسية لا تتوقف"، فإن ما تواجهه اليوم *ليس اقتراحاً دبلوماسياً بل إملاءً استراتيجياً مغلّفاً بالوعود*. والسؤال المفتوح: هل تكون طهران الحلقة الأخيرة في سلسلة الدول التي "أُعيدت هندستها"؟ أم أنها ستفاجئ العالم بنموذج صمود جديد، يُعيد ترتيب قواعد اللعبة من تحت *جبل الفاس*؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم