الاعلامية والكاتبة فاطمة علي النجف الاشرف
إلى متى يبقى العراق يقدّم أرواح أبنائه قرابين لصمتكم وفسادكم؟
كم حادثة يجب أن تقع؟ كم دم يجب أن يُسفك؟ هل نسيتم الكرادة؟
هل نسيتم عبارة الموصل؟
تلك الحوادث المؤلمة التي لا تزال تطاردنا، تثقل كاهل ذاكرة هذا الوطن الجريح، وتكسر قلوب الأمهات والأباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم. قتل الأبرياء من المسيحيين في صيف 2014
ولا ننسى العرس الذي قتل فيه المسيحيين كان نقطة تحول مؤلمة، حيث أجبر العائلات على مغادرة منازلها، تاركة خلفها كل ما كانت تعتز به،
كل زوايا ذكرياتها ودفء عائلتها، مما أحدث تغييرًا جذريًا في نسيج المجتمع.
حرق المستشفيات كان صدمة وحشية إضافية في قلب الإنسانية، فعندما تصبح أماكن الشفاء مراكز للألم، يدرك الجميع عمق الفساد الذي نعيش فيه، حيث أن ملامح الحياة تضيع في زحمة الفوضى، ويُقتل الأمل في فوهة البندقية.
صراخ أمهات أطفال الخدج
، اللواتي فقدن كل شيء بسبب العنف والاضطراب،
تحول إلى نشيد للعذاب الذي لا ينتهي، يُعزف على أوتار القلوب الموجوعة.
وها هي الكوت اليوم، تعيد الوجع نفسه
ا
الذين يبحثون عن الأمن، تائهين بين ذكريات ماضيهم وأمل مستقبلي لا يزال بعيداً.
الدم نفسه، الفساد نفسه، الصمت نفسه! فمن يُستهدف اليوم، قد يكون غداً أحد أحبائنا، فإلى متى ستستمر هذه الدوامة الجهنمية؟
إلى متى يبقى الشعب العراقي وحده في مواجهة جبروت من يتلاعب بمقدراته، وأمام قسوة القلوب التي لا تعير الألم أدنى انتباه؟
إلى متى تبقون أنتم – المتفرجون على الألم – في أماكنكم، دون خجل، دون محاسبة؟
كأن الآلام لا تعنيكم، وكأن الندوب والهزائم التي تعاني منها أجيال متتالية كانت مجرد أرقام تتناقص مع مرور الوقت، وما ذلك إلا ضمان لبقاء الظلم.
إن الله يمهل ولا يهمل، فالتاريخ لا يرحم الظالمين، وسيأتي يوم تذوقون فيه نفس الكأس التي سقيتم بها هذا الشعب الطيب.
هذا الشعب الذي صبر طويلاً، لكنه لا ينسى، ولا يغفر للقتلة،
ولو لبسوا قناع الوطنية في أوقات الحاجة، فقد احتفظ في قلبه بروايات الأمل والإرادة. العراق يستحق الحياة، بكل تنوعه الثقافي والديني، والإنسانية التي تسكن جبينه،
وهذا التنوع هو ثراء وليس عائقًا.
والعراقي يستحق الأمان… والعدالة… والكرامة، التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الاصطفاف معاً، بعيداً عن الانقسامات، لبناء وطن يستوعب جميع أبنائه، وكأننا نكتب فصول حياة جديدة من الأمل والصمود، حيث تنطلق الأحلام الطموحة في سماء العراق، مسموعةً ومرئية، لتشكل غدًا مشرقًا يليق بتاريخ هذا الشعب العظيم.
