نعمت عباس
يعيش مركز حراسة المرمى العراقي مرحلة حرجة على الصعيد الفني، نتيجة لاختيارات عشوائية وغير مدروسة للكوادر التدريبية في الأندية المحلية والمنتخبات الوطنية، وسط غياب واضح للجان فنية مختصة تشرف على تعيين مدربي الحراس في اتحاد كرة القدم أو الأندية.
اللافت في المشهد أن مهنة مدرب الحراس تتطلب معايير خاصة ومؤهلات دقيقة لا يدركها سوى المتخصصون في هذا المجال، ومع ذلك، لا تزال هذه المعايير تُهمل في العراق، ما تسبب في ابتعاد أسماء كبيرة لها وزنها التاريخي والفني.
خبرات مهمشة وكفاءات مغيبة
بالأمس، وجّهنا دعوات للاستفادة من خبرة الكابتن قاسم “أبو حديد” في تدريب الحراس، دون أن تلقى آذانًا صاغية، حتى وجدنا هذا الاسم الكبير يغيب بصمت، شأنه شأن الكابتن عبد الكريم ناعم والكابتن أحمد جاسم، وهما من أبرز مدربي الحراس على المستوى العربي، وكان لهما الفضل في إنجازات عديدة للكرة العراقية والعربية.
هذان المدربان عملا تحت إشراف المدرب الراحل الكبير عمو بابا، والكابتن عدنان حمد، الذي حصد إنجازات محلية وقارية برعاية مباشرة من ناعم وجاسم في تدريب الحراس. ومن غير المعقول أن يُستبعدا اليوم عن مشهد المنتخب أو الأندية العراقية، في وقت تفتقر فيه الساحة إلى كفاءات تدريبية، بعد هجرة أسماء وازنة مثل قاسم أبو حديد، كاظم شبيب، جلال عبد الرحمن، صادق جبر، وسهيل صابر.
دروس من العالم المتقدم
في المقابل، نجد المنتخبات المتقدمة في آسيا والعالم تُولي اهتمامًا بالغًا بتدريب حراس المرمى. ففي تصفيات كأس العالم الأخيرة، شوهد المنتخب الياباني يستعين بثلاثة مدربي حراس: مدرب أول، مساعد أول، ومساعد ثانٍ. هذا لأنهم يدركون تمامًا أن إعداد الحارس المثالي يبدأ من وجود طاقم تدريبي متخصص ومتكامل.
شهادات وإنجازات حية
الاتحاد الآسيوي لكرة القدم اختار الكابتن عبد الكريم ناعم محاضرًا رسمياً لمدربي حراس المرمى، كما اختار الكابتن أحمد جاسم محاضرًا معتمدًا، وهي شهادة اعتراف آسيوية بخبراتهم وكفاءاتهم. بالأمس، وخلال بطولة الخليج للاعبين القدامى، أعاد الكابتن ناعم بريق الحارس نور صبري، في حين أظهر الكابتن حكيم شاكر لمسة فنية واضحة في إعداد اللاعبين، في تجربة أثبتت أهمية الجانب النفسي في تدريب الحراس، وهو ما يتقنه ناعم الذي يحمل شهادة الدكتوراه في علم النفس الرياضي، وأحمد جاسم الذي يمثل نموذجاً راقياً في الجانب التربوي والتأهيلي للحراس.
دعوة عاجلة للاتحاد
إن كفاءة هذين المدربين ومكانتهما المرموقة في تاريخ الكرة العراقية لا تحتمل التجاهل أو الإقصاء، خاصة في هذه المرحلة التي تستعد فيها الكرة العراقية لمرحلة جديدة من الطموح والإنجازات، وعلى رأسها حلم التأهل إلى كأس العالم. فالنهضة الحقيقية تبدأ من الاهتمام بالمفاصل الأساسية للمنتخب، وأبرزها مركز حراسة المرمى، الذي لا يمكن أن ينهض دون دعم كوادر مؤهلة وذات باع طويل في هذا المجال.
إنها دعوة وطنية لاتحاد كرة القدم العراقي لمراجعة الحسابات، واللحاق بركب التطور في عالم حراسة المرمى، فالثروات الوطنية لا تُهدر، بل تُستثمر… وناعم وجاسم هما الثروة التي لا تُقدّر بثمن
