الصدر .. وعي يتخطّى الموت




كتب رياض الفرطوسي


تمرّ ذكرى استشهاد السيّد محمد باقر الصدر، لا كحدث عابر، بل كصرخة مؤجلة في ضمير أمة. في كل عام، تُطلّ علينا هذه الذكرى محمّلة بالوجع والأسئلة، بأسى العقل الذي فُجع، وبأملٍ لا يزال ينبت من رماده.

لم يكن الصدر رجلاً عادياً، كان كما قال المفكر الفرنسي "ميشال سورا": "حين يقرر الفلاسفة أن يعيشوا أفكارهم، فإنهم يُهزّون عروش الطغاة."

وقد فعل، حتى تحوّل فكره إلى ميثاق ثوري، يوقّعه الزمن بختم الشهادة.

في خطبةٍ لا تزال تتوهّج حتى اللحظة، تساءل الصدر بمرارة نبويّة:

"نحن نقول إننا أورع من هارون الرشيد... لكن هل عُرضت علينا دنيا كالتي عُرضت عليه فرفضناها؟"

كانت تلك صرخة عقل يرى الزيف في مدّعي الطهر، وكأنه أراد أن يُعرّي كل الادعاءات، ليوقظ فينا ضميراً غافياً على حرير الخديعة.

لقد كان يرى في الزهد فعلًا واعياً، لا انسحاباً، بل تحدياً للسلطة والمال والغواية. كما وصفه المفكر اللبناني مهدي عامل: "كان في عزلته أكثر حضوراً من كل السلطة، وفي صمته أكثر صخباً من كل المدافع."

الشهيد الصدر لم يُعدم، بل صعد، لأن الأفكار لا تُقتل ، بل تُورّث.

توهّج في زمن العتمة، ولم يخن ذاته النقية التي ظلّت منسجمة مع مواقفها حتى آخر أنفاسها.


تأثر به اليسار كما تأثر به الإسلام الثوري، اجتمع عليه المختلفون كما يجتمع الحنين على صورةٍ منسية.

وقد كتب عنه المفكر الإيراني عبدالكريم سروش: "كان فقيهاً، لكنه فقيه الحلم الكبير، لا فقيه السلطة."

لقد رفعته التضحية لا إلى الموت، بل إلى مقام الأسطورة. وما من جلّاد إلا وتهاوى أمام كلماته، كما تسقط الأقنعة أمام الحقيقة.

واجبنا اليوم ألا نرثيه فقط، بل نُحيي وعيه في سلوكنا، في شجاعتنا، في رفضنا لكل قبحٍ مغلّف بدين.

إن مدرسة الصدر لم تكن درساً في الفقه فقط، بل كانت درساً في أن تكون حراً، حتى حين يكون ثمن حريّتك دمك.

لقد رحل الصدر، لكنّ دمه لا يزال يكتب على جدراننا:

"إن لم يكن للمبادىء من يضحي من أجلها، فلن تقوم لها قائمة."

إرسال تعليق

أحدث أقدم