بقلم: سعاد حسن الجوهري
في خضم تصاعد الأحداث في المنطقة، خرج المدعو غيث التميمي بتصريحات مثيرة للجدل، زاعمًا أن "الإمبراطورية الخمينية في إيران قد انتهت". هذه العبارة ليست سوى انعكاس لتحليلات سطحية، تتغذى على الأوهام السياسية أكثر مما تستند إلى واقع موضوعي أو قراءة استراتيجية معمقة.
أولاً: ماذا يعني "انتهاء الإمبراطورية الخمينية"؟
مصطلح "الإمبراطورية الخمينية" يُستخدم عادة من قبل خصوم الجمهورية الإسلامية لوصف التأثير الإقليمي الإيراني، الذي ارتكز منذ انتصار الثورة عام 1979 على مبدأ "نصرة المستضعفين" ورفض الهيمنة الغربية والصهيونية. إن كانت هذه هي المقصودة، فإن الوقائع تقول غير ذلك:
حلفاء إيران الإقليميون لا يزالون أقوياء: من حزب الله في لبنان، إلى فصائل المقاومة في العراق، إلى تحالفات قوية في سوريا واليمن. كلها تتحرك وفق معادلة ردع أرستها طهران.
إيران ما تزال حاضرة في كل معادلة تخص أمن الخليج، استقرار العراق، مستقبل فلسطين، وأمن الطاقة العالمي.
فهل من المنطقي الحديث عن نهاية منظومة بهذا الحجم؟!
ثانيًا: إيران في عز قوتها الاستراتيجية
خلافًا لما يروج له غيث التميمي ومن على شاكلته من رموز الإعلام المؤدلج، فإن الجمهورية الإسلامية لم تكن يومًا في وضع عزلة أو تراجع استراتيجي كما يتخيلون. بل على العكس:
اقتصاد المقاومة الإيراني، ورغم العقوبات، أثبت قدرته على الصمود والتكيف، بل وخلق توازنات جديدة مع قوى شرقية كبرى مثل الصين وروسيا.
القوة العسكرية الإيرانية تطورت من دفاعية إلى هجومية، ومن محلية إلى إقليمية التأثير. الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية الدقيقة باتت أدوات ردع حقيقية وليست شعارات إعلامية.
الجبهة الداخلية الإيرانية، ورغم التحديات، لا تزال متماسكة أمام حملات التحريض والانشقاق.
ثالثًا: من هو غيث التميمي؟ وما دوافعه؟
غيث التميمي، الذي يقدَّم على أنه "مفكر"، عُرف بمواقفه الحادة ضد كل ما يمت للمقاومة بصلة، وتحول خلال السنوات الأخيرة إلى أداة ناعمة في مشروع استهداف الحضور الشيعي المقاوم في المنطقة.
تصريحاته الأخيرة ليست سوى صدى لصوت غرف العمليات التي تعيش على أمنيات إسقاط إيران، وتروّج لانهيارها الوشيك منذ أربعة عقود، دون أن تلامس تلك الأمنية أرض الواقع.
رابعًا: الفرق بين الأمنيات والحقائق.
الرهان على تراجع إيران يشبه الرهان على سراب. التمنيات لا تصنع معادلات جيوسياسية. ومَن يستعجل كتابة "نهاية الإمبراطورية الخمينية" عليه أن يفسّر لنا:
لماذا هرعت تل أبيب وواشنطن لتفادي حرب شاملة مع إيران؟
ولماذا لا يزال العالم يتعامل مع طهران كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها؟
ولماذا تنبض شوارع المنطقة بشعارات "يا لثارات قاسم سليماني" في كل أزمة؟
الرد على غيث التميمي لا يكون بالصراخ، بل بتذكيره أن المشاريع لا تموت بالضجيج، وأن النهج الخميني ليس نظامًا سياسيًا فقط، بل هو مدرسة فكرية ممتدة من الحسين إلى القدس. وأي محاولة لدفنه هي محاولة لدفن الوعي، والوعي لا يموت.