*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل ارتكاب المجازر اليومية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وتستقوي على العزّل والمحرومين تحت غطاء دولي مريب وصمت عربي مخجل، قررت مؤخرًا أن ترتكب حماقةً جديدة ,حماقة ظنّت أنها ستخيف أو تربك، لكنها كشفت جهلها بطبيعة الخصم.
الاعتداء الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم يكن مجرد استهداف محدود أو رسالة عسكرية معزولة، بل إعلان واضح عن ارتباك سياسي وعسكري تعيشه تل أبيب بعد أن فشلت في تركيع غزة، واستنزفت قدراتها في حرب مفتوحة على المدنيين والمقاومين على حدّ سواء.
إيران ليست دولة تلوذ بالصمت أو تختبئ خلف بيانات الإدانة. إنها الدولة التي نشأت من رحم الثورة، وتربّت على مبدأ الدم ينتصر على السيف ، وأعلنت منذ اليوم الأول أن فلسطين ليست قضية جغرافيا بل قضية عقيدة، وأن المقاومة ليست تكتيكًا بل هوية. ولهذا فإن كل من يظن أن ضرب إيران سيجلب الأمن للكيان الصهيوني، يُخطئ التقدير ويقرأ المشهد بالمقلوب.
لقد حاولت إسرائيل عبر هذا الاعتداء أن تُغيّر قواعد الاشتباك، وأن توصل رسالة ردع إلى محور المقاومة، لكنها لم تدرك أن يدها المرتعشة ستُقابل بقبضة فولاذية. فالجمهورية الإسلامية، بتاريخها وموقفها وثقلها الإقليمي، تعرف متى وكيف ترد، وهي لم تترك يومًا دماءها دون حساب.
إن استهداف إيران ليس عدوانًا على سيادة دولة فحسب، بل هو عدوان على مشروع أمة، وعلى كل من وقف مع فلسطين، ودعم مقاوميها، وكشف خيانة المطبعين. إنه عدوان على الصوت الذي لم يساوم، والموقف الذي لم يتزحزح، وهو محاولة يائسة لضرب الثقة في عواصم القرار الشريف من طهران إلى بغداد، ومن بيروت إلى صنعاء.
والمفارقة الكبرى أن المعتدي نفسه، الذي يتجبر على غزة ويقصف النساء والأطفال، يتراجع مذعورًا أمام صواريخ الردع الإيراني، ويتوسل الوسطاء حين يشعر بأن الرد سيكون موجعًا، كما حصل بعد ضربة إيران التأديبية الأخيرة في العمق الإسرائيلي.
نحن في العراق، نراقب هذا المشهد عن كثب، ونفهم جيدًا أن من يعتدي على إيران اليوم، إنما يستهدف روح المقاومة في المنطقة كلها. فعدو طهران هو ذاته عدو بغداد ودمشق وبيروت وغزة، ومن يهاجم الجمهورية الإسلامية، يهاجمنا جميعًا
ختاما الرد على إسرائيل لا يكون بالشجب، بل بإعادة الاعتبار للموقف، بإحياء مشروع الأمة، وبتثبيت معادلة أن لا أحد في محور المقاومة يُستضعف، ولا أحد يُترك وحيدًا. إيران سترد، وغزة ستصمد، والمقاومة ستنتصر، لأن الباطل مهما تجبّر، لا يملك جذرًا ثابتًا… ولا يحفظ له التاريخ سوى الخزي.