د. هيثم الخزعلي
المقصود من الاصول الامريكية هنا، (هي الاسهم والسندات واذونات الخزانة الامريكية ) وكلها مقومة بالدولار الامريكي ، والفرق بين "سندات الخزانة" و"اذونات الخزانة" ، ان الاخيرة قروض لا تتجاوز مدة سدادها 2 سنة.
بينما "سندات الخزانة " قروض قد تستمر 30سنة.
ومن المعلوم ان الدولار هو عملة الاحتياط العالمي، وان الطلب على الدولار عالميا منحه مكانة مهمة، وجعله (حجر الزاوية في قوة الولايات المتحدة الأمريكية) كما يقول الرئيس الروسي "بوتن".
الان ان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا (التيار القومي الامريكي ) الموجود في لحكومة "ترامب"، ادت الى تراجع هذا الدور.
ومن المعلوم ان انفاق الولايت المتحدة الواسع، يعتمد على قوة الدولار، وتمويلها لجزء كبير من هذا الانفاق غالبا يعتمد على الاستثمار في الأصول الامريكية و بيع سندات الخزانة الامريكية، والتي تعتبر ملاذ امن في الفترات السابقة.
الا ان حالة عدم اليقين التي رافقت مجيئ الرئيس "ترامب " ادت الى تزايد المخاوف من الاستثمار في الاصول الامريكية، وتسببت في خسارة اسواق المال الامريكية 11 ترليون دولار في(( يوم التحرير)) كما اسماه "ترامب ".
يوم اعلان التعريفات الكمركية الرهيبة على السلع المستوردة، وهو ما انعكس على انخفاض اسعار الاسهم والسندات وسعر الدولار.
وفي مؤشر لاستمرار حالة عدم الثقة بالاصول الامريكية ،خصوصا بعد انزخفضت "مؤسسة موديز " تصنيف الولايات المتحدة الائتماني من.((aaa-Aa1)) في دلالة على اهتزاز الثقة بالاقتصاد الامريكي.
انخفض الدولار الامريكي يوم الاثنين 2-5-2025 بنسبة 0.7% مقابل سلة عملات لشركائها التجاريين، وهو ادنى مستوى له منذ 3 سنوات.
بينما زادت عائدات سندات الخزانة الامريكية ل30 سنة الى 4.96% اي ما يقارب 5%، وهو ما يعني انخفاض قيمتها.
لان العائد على السندات يتناسب عكسيا مع سعرها، ولان المستثمرين يستشعرون تزايد المخاطرة بالاستثمار بالسندات الامريكية، فيطالبون بعائد اعلى،( مخاطرة اعلى تعني عائد اعلى) .
وهو ما يعني ان الولايات المتحدة ستدفع المزيد لخدمة الدين العام الذي بلغت قيمته 37 ترليون دولار تقريبا .
وبرغم تصريحات وزير الخزانة الأمريكي"سكوت بيسنت " (ان الولايات المتحدة لن تتخلف عن سداد ديونها )، ولكن هذه المحاولة جاءت بعد تحذير"جيمي دايمون" المدير التنفيذي لبنك الجي بي مورغان (من تصدع سوق السندات تحت وطأة عبئ الدين العام المتزايد ).
ويتوقع الاقتصاديون انخفاض التعامل بالاصول الامريكية، بعد ان يتم اطلاق حزمة الضرائب الامريكية الحديدة، والتي تتضمن فرض ضرائب على الدخل السلبي (العائد من الفوائد والأرباح التي يحصل عليها المستثمرون الاجانب ) والتي ستؤدي لانخفاض الثقة في الاصول الامريكية بشكل اكبر .
واصبح المستثمرون يؤسسون محافظ استثمارية تتضمن (الجنيه الاسترليني واليوان الكوري والبلاتينيوم والبلاديوم والذهب والفضة والبتكوين ) بعيدا عن الدولار الامريكي.
وهذا طبعا انعكس على الدولار مما جعل قيمته تهبط امام سلة عملات، وعلى سبيل المثال اصبح اليورو يعادل 114 دولار ، بينما بلغت قيمة الجنيه الاسترليني 1.35 دولار، وبلغت قيمة الين الياباني 142.54 دولار.
والامر الصادم هو انخفاض قيمة الاسهم والسندات الامريكية والدولار في وقت واحد.
والحقيقة أن هناك انسحاب عالمي من استخددام الدولار وبداية انحسار دوره كعملة احتياط عالمي، وانخفاض الاستثمار في الاصول الأمريكية، حيث باعت الصين عام 2024 ما يقارب 150مليار دولار من سندات الخزانة الامريكية. وهي مستمرة بالببع للربع الاول والثاني من هذا العام.
وربما يكون هناك بيع ممنهج من قبل دول مجموعة" بريكس " التي تمتلك ما قيمته 7.5 ترليون دولار من سندات الخزانة الامريكية .
والعديد من الدول اصبحت تفكر بتقليل تعاملاتها بالدولار الامريكي او الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة منه.
بل ان "مجموعة بريكس " تفكر بتغيير النظام النقدي العالمي، والتحول إلى اعتماد سلة عملات عالمية مغطاة بسلع اساسية او بالذهب بديلا عن الدولار.
وهذا يعود لعدة اسباب
١- تسليح الدولار واستخدامه من قبل الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية بشكل مفرط.
٢- شعور الدول ان حتى المؤوسيات العالمية مثل "صندوق النقد الدولي" هي امتداد للسياسة الخارجية الامريكية، حيث تقوم بفرض سياسات على الدول الناشئة تضر باقتصادات هذه الدول مقابل منحها قروض، و"صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" تمنحان القروض بالدولار الامريكي غالبا.
٣- فقدان الثقة بالسياسات الاقتصادية الامريكية وسيادة حالة عدم اليقين في اسواق المال العالمية بسبب هذه السياسة.
٤- استمرار الحروب والنزاعات وعدم جدية الولايات المتحدة بايقلف هذه الحروب، ففي الوقت الذي يعلن الرئيس "ترامب " رغبته في ايقاف حرب اوكرانيا وروسيا تستمر الولايات المتحدة ببيع السلاح لاوكرانيا.
وفي الوقت الذي يعلن انه يريد انهاء الحرب في غزة، تستخدم الولايات المتحدة "حق القيتو" ضد قرار مجلس الامن بايقاف اطلاق النار في غزة.
٥- استمرار الحروب التجارية وإنهاء العولمة ودخول العالم بنظام النوادي التجارية، جعل من غير المنطقي الاعتماد على عملة واحدة كاساس للنظام النقدي الدولي.
ان انخفاض الثقة في سندات الخزانة الامريكية، سيؤدي لرفع الفوائد عليها لجذب المستثمرين، مما يعني إستمرار تضخم الدين العام الأمريكي، وارتفاع الفوائد المدفوعة لخدمة هذا الدين.
وهو ما يعني ان الولايات المتحدة ستعجز عن سداد ديونها يوما ما.
ويبدو ان المستكبرين الذين يرغبرن بتدخين الديناميت في واشنطن بدأو باشعال الفتيل....
د. هيثم الخزعلي