*قمة ألاسكا: مناورات على حافة الهاوية بين واشنطن، موسكو، وأوروبا*




ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي

تشهد الساحة الدولية في هذه الأيام حالة غير مسبوقة من الغليان السياسي مع اقتراب قمة ألاسكا المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 15 أغسطس 2025. القمة، التي يصفها البعض بأنها الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، هذه القمة لا تعد مجرد لقاء عادي بين قائدي قوتين عظيمتين، بل هي حدث استراتيجي خطير قد يعيد رسم ملامح النظام العالمي، ويحدد مصير أوكرانيا، وأوروبا، وربما العالم بأسره. حيث أصبحت هذه القمة محور مواجهة متعددة الأطراف: موسكو وواشنطن على طاولة التفاهمات، أوروبا في حالة رفض وتصعيد، وكييف في موقع الدفاع المستميت عن أرضها.


*خلفية اللقاء وأبعاده الجيوسياسية*


تأتي هذه القمة في ظل توتر دولي حاد بسبب الحرب الأوكرانية التي استنزفت الموارد وأضعفت العلاقات بين الكتل الكبرى. بوتين وترامب، كلاهما يملك ثقلاً سياسياً وعسكرياً هائلاً، كما أن لقاءهما يجمع رؤى وتوازنات قد تتعارض أو تتلاقى في آن واحد. القمة تعكس محاولة مشتركة بين موسكو وواشنطن لتحديد "خطوط حمراء" مشتركة وسط الصراع المستمر، رغم محاولة أوروبا وأوكرانيا تفجير كل مساعي السلام.

الاتفاق الأخير الذي جرى تحت رعاية ترامب بين أرمينيا وأذربيجان، والذي كاد يُشعل القوقاز، هو دليل على اتفاق روسي-أمريكي لإعادة ضبط التوازنات في مناطق النفوذ. انتشار الأسطول الروسي قرب القطب الشمالي مؤخراً يعكس رغبة موسكو في تعزيز مراكزها الاستراتيجية، خاصة في مناطق ذات أهمية جيوستراتيجية كبرى.

ما هي نقاط الاتفاق بين بوتين وترامب؟ يبدو أن الرئيسين اتفقا على خطوط عريضة، أهمها: سحب القوات الأوكرانية من دونيتسك كبداية لإطلاق هدنة، وتسليم مناطق رئيسية في شرق أوكرانيا إلى روسيا، بما فيها لوغانتسك وزابوريجيا وبعض المناطق في سومي، والتنازل الروسي عن مناطق محدودة مقابل تثبيت مكاسب استراتيجية أوسع. ورسم رؤية مشتركة لإنهاء الحرب التي تعتبرها الإدارة الأمريكية الحالية عبثية ولا تخدم مصالح واشنطن الحقيقية.

ترامب يبدو مدركاً لعجز زيلينسكي عن حسم الحرب عسكرياً، ويرى في هذه القمة فرصة لإعادة رسم اللعبة وفقاً لمصالح روسيا والولايات المتحدة.


*أوروبا تنقلب على مقترح ترامب*


أحدثت التسريبات حول المقترح الأمريكي- الروسي زلزالاً في العواصم الأوروبية. فجوهر الخطة يتضمن انسحاب القوات الأوكرانية من مناطق في الشرق، على رأسها دونيتسك، قبل وقف إطلاق النار. الاتحاد الأوروبي رفض الخطة علناً، مؤكداً على لسان نائبة رئيس المفوضية أن "كل الأراضي التي تحتلها القوات الروسية مؤقتاً هي أراضٍ أوكرانية".

ولم يكتفِ الأوروبيون بالتصريحات، بل دعوا إلى قمة استثنائية عاجلة في بروكسل اليوم الاثنين المصادف 11/8/2025، بهدف صياغة موقف مضاد قبل أن يلتقي ترامب وبوتين. زعماء ألمان وفرنسيون وإيطاليون وبريطانيون شددوا على أن أي حل يجب أن يشمل أوكرانيا وأوروبا على الطاولة، رافضين أن يتم رسم حدود القارة في غيابهم.


*الرفض المطلق والتصعيد السياسي*


الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يترك مجالاً للشك، إذ أعلن في خطاب متلفز رفض أي تنازل عن الأراضي، معتبراً أن روسيا تستغل الوقت لتعزيز مواقعها استعداداً لهجمات مستقبلية. تصريحات زيلينسكي، التي تتقاطع مع الموقف الأوروبي، جاءت في وقت حساس، حيث تتحدث التقارير الاستخباراتية عن احتمال انهيار الجبهة الأوكرانية خلال أشهر قليلة إذا استمر النزيف العسكري والاقتصادي.


في المقابل، ردت موسكو بتصعيد اعلامي ورسائل ردع واضحة. نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أكد أن خطر المواجهة النووية ما زال قائماً، مشيراً إلى تطوير منظومات صاروخية جديدة إلى جانب "أورشنيك"، مع إبقاء التفاصيل طي الكتمان. هذا التصعيد الروسي لا ينفصل عن لعبة الضغط المتبادل قبل القمة، ويعكس تصميم الكرملين على تثبيت مكاسبه الميدانية.


*قراءة بين السطور: مواجهة حقيقية أم توزيع أدوار؟*


المشهد يبدو في ظاهره صدامياً: أوروبا ضد واشنطن، موسكو ضد الجميع، وأوكرانيا في موقع الحصار. لكن في السياسة الدولية، لا يمكن استبعاد فرضية "المسرح التكتيكي" حيث يتفق اللاعبون الكبار على تبادل الضغوط علناً لانتزاع تنازلات خلف الكواليس.

احتمال أن يكون التصعيد الأوروبي جزءاً من خطة ترامب للضغط على بوتين قائم، لكن الترجيحات تميل إلى أن الرفض الأوروبي حقيقي بنسبة أكبر، خاصة مع وجود مصالح استراتيجية كبرى مهددة إذا ما تمت تسوية الحرب دون ضمانات أمنية شاملة.

سنشهد أيام حاسمة قبل القمة، وهي الفترة التي تسبق 15 أغسطس/آب ستكون حاسمة:

من حيث التصعيد الإعلامي والسياسي من جميع الأطراف، وتحركات عسكرية رمزية لتعزيز أوراق التفاوض، ومناورات دبلوماسية مكثفة في العواصم الأوروبية والآسيوية، وكذلك تسريبات متعمدة لقياس ردود الفعل الدولية.


قمة ألاسكا ليست فقط لقاءً بين بوتين وترامب، بل هي اختبار لقدرة القوى الكبرى على إعادة تشكيل النظام الدولي وسط أجواء شديدة التوتر. أوروبا تخشى أن تُفرض عليها تسوية لا تراعي مصالحها، موسكو تريد تثبيت مكاسبها، وترامب يسعى لإنجاز دبلوماسي يُسجل باسمه. الأسئلة الكبرى التي ستظل معلقة حتى يوم القمة:

هل سيتحول الصدام إلى توافق؟ أم أن ألاسكا ستصبح شرارة مرحلة جديدة من الحرب الباردة، وربما ما هو أخطر؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم