بقلم: عامر العيداني
في الأنظمة الديمقراطية تُعدّ المعارضة جزءاً أصيلاً من العملية السياسية وليست حالة استثنائية أو هامشية. لكنها كثيراً ما تُفهم بطريقة مشوهة وتُتهم أحياناً بإثارة الفوضى أو تعطيل عمل الحكومة. هنا يُطرح السؤال الجوهري: هل المعارضة واجبها النقد وخلق الفوضى؟ أم أنها معنية بإبداء حالة عدم الرضا وتقديم البدائل والحلول؟
في الحقيقة المعارضة ليست عدوة للوطن بل هي صمام أمان يقي النظام من الانحراف ويمنح المواطن صوتاً آخر غير صوت السلطة التنفيذية. لكن ذلك لا يعني أن وظيفتها تنحصر في الصراخ والاتهام وإثارة الشكوك فهذه ليست معارضة بل ضجيج سياسي ، المعارضة الحقيقية تتجسد في الرؤية والنضج في المراقبة المسؤولة وفي كشف الإخفاقات دون أن تسقط في فخ التخريب أو التجييش العبثي.
عندما تكتفي المعارضة بالنقد فقط دون أن تقدم بديلاً واضحاً أو رؤية استراتيجية فهي في الواقع تمارس وظيفة ناقصة. وإن تجاوزت النقد إلى الفوضى وتغذية الأزمات فهي تنتقل من خانة العمل السياسي إلى معسكر الهدم الوطني. أما إذا مارست دورها في الرقابة وأبدت أسباب اعتراضها مدعومة بحقائق وأرقام، وقدّمت حلولاً عملية وقابلة للتنفيذ فهي تصبح شريكاً حقيقياً في الإصلاح والتغيير، حتى لو كانت خارج دائرة الحكم.
لقد عانت العديد من الدول ومنها بلدنا العراق من معارضات هجومية تفتقر إلى العمق والرؤية ، معارضات تجيد لغة الاتهام لكنها تعجز عن تقديم مشروع بديل وتلوّح بعبارات "لا" و"رفضنا" دون أن تكمل الطريق إلى "كيف؟" و"بماذا؟" و"من أين نبدأ؟". ومن جهة أخرى فإن الحكومة أحياناً تحاول تحييد المعارضة أو تهميشها معتبرة إياها حجر عثرة في طريقها وليس شريكاً في بناء الدولة.
المطلوب اليوم أن تتحول المعارضة من عقلية "الضد" إلى عقلية "التصحيح" وأن تتجذر ثقافة المعارضة الوطنية لا المعارضة الانفعالية. على المعارضة أن تدرك أن مسؤوليتها لا تقل عن مسؤولية من في السلطة فالكلمة الموزونة والمعلومة الدقيقة والبديل الواقعي كلّها أدوات يجب أن تمتلكها كي تكتسب ثقة الشارع وتكون بديلاً حقيقياً حين يحين وقتها.
ختاماً، ليست المعارضة هي من تخلق الفوضى بل من يتعمد تفريغ السياسة من محتواها سواء أكان في السلطة أم في المعارضة فكلما ارتقى الخطاب السياسي وسمت النوايا، واتضحت الرؤى كانت المعارضة خير منبّه وصانع محتمل لمستقبل أفضل.
المعارضة الحقيقية لا تهدم، بل تُصلح ، ولا تصرخ، بل تقترح ، ولا تنتقم، بل تُقوّم.
