قِمم بين حلم التكامل وواقع التشرذم !!
قاسم سلمان العبودي
واحد وستون عاماً تفصلنا عن القمة العربية الأولى التي انعقدت في القاهرة عام 1964 ، و القمة الأخيرة التي تُعقد في بغداد اليوم . وبين هذين الحدّين الزمنيّين، تاريخ طويل من الهوان العربي، والانكسار السياسي أمام التحديات الصهيونية التي عصفت بالقضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا .
لم تكن القمم العربية، على كثرتها، سوى مرايا عاكسة للانقسام والتباين العميق في الرؤى والمواقف. فعوضاً عن الخروج باتفاقات استراتيجية في مجالات حيوية كالصناعة أو الزراعة أو الطاقة، كانت أغلب هذه القمم مسارح لعرض الخلافات، وعناوين لأزمات مزمنة لم تجد بعد طريقها إلى الحل.
وقبل أيام فقط من قمة بغداد، انعقدت ثلاث قمم خليجية متزامنة في الرياض والدوحة وأبوظبي، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد أفضت تلك اللقاءات إلى سلسلة “صفقات ضخمة” بلغت قيمتها أكثر من أربعة تريليونات دولار، في رقم غير مسبوق بتاريخ العلاقات الخليجية–الأميركية . لم تقتصر الصفقات على الجانب الاقتصادي ، بل رافقها التزام علني باتفاقية ( أبراهيم ) للتطبيع مع الكيان الصهيوني ، مما سحب البساط مبكراً من تحت أقدام قمة بغداد وأفرغها من مضامينها القومية المحتملة.
فكيف للعرب أن يتفقوا على قرارات مصيرية كالقضية الفلسطينية، وهم منقسمون على أنفسهم؟ كيف يُرجى التوافق على ملفات اقتصادية شائكة في ظل نزاعات حدودية مثل قضية “خور عبد الله” بين العراق والكويت؟ وكيف نُعوّل على جهود “رأب الصدع العربي ”، وبعض الأنظمة الخليجية تتدخل في الشؤون الداخلية لدول تعاني من نزاعات دموية كالسودان وليبيا واليمن؟
الأدهى من كل ذلك، أن ثمان دول عربية أصبحت مطبّعة مع الكيان الصهيوني، فما الذي تبقّى من الموقف العربي الموحد حتى يُؤمَل من قمة بغداد أن تخرج بموقف جامع؟
نجاح القمة الراهنة، إن تحقق، مرهون بجدية مخرجاتها. وإن لم تُترجم تلك المخرجات إلى أفعال ملموسة على الأرض، فستكون كأخواتها السابقات: حبر على ورق، وعناوين لخيبات جديدة.
وفي ما يلي أبرز محطات القمم العربية السابقة:
• قمة القاهرة 1964: الإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ككيان شرعي يمثل الفلسطينيين.
• قمة الخرطوم 1967: إعلان اللاءات الثلاث: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع الكيان الصهيوني.
• قمة الرباط 1974: الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
• قمة بغداد 1978: رفض اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني .
• قمة فاس 1982: إطلاق أول مبادرة عربية للسلام مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة.
• قمة بيروت 2002: إقرار مبادرة السلام العربية: الانسحاب مقابل التطبيع الكامل.
• قمة الرياض 2007: تجديد الدعوة لقبول مبادرة السلام العربية.
• قمة الظهران 2018: التشديد على دعم القدس عاصمة أبدية لفلسطين.
• قمة الجزائر 2022: التأكيد مجدداً على مركزية القضية الفلسطينية ودعم الوحدة الفلسطينية بإعلان الجزائر.
لكن، وبالرغم من هذه المخرجات، فإن معظمها بقي رهين الخلافات والانقسامات العربية. فالتباينات السياسية عطلت التنفيذ ، والمتغيرات الدولية أضعفت الموقف العربي المشترك ، وجعلت من “إعلانات التضامن” مجرد شعارات عاطفية، سرعان ما تذروها رياح الواقع المتأزم .
لقد آن الأوان أن تتجاوز القمم العربية دورها الخطابي ، وتنتقل إلى الفعل الحقيقي . ما نحتاجه اليوم ليس بيانات ختامية رنّانة، بل خطوات عملية تترجم إرادة الشعوب وتُلملم شتات الأمة.
فلعل قمة بغداد تكون بدايةً، لا نهاية، لعصر عربي جديد ، وأن كنت أشك في ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق